نازك بدير*
طوى العام الأوّل من الحرب الروسيّة الأوكرانيّة صفحته بخسائر فادحة على الاقتصاد العالمي ولا سيّما تلك التي تعتمد على الصناعة واستخدام الطاقة ما أدّى إلى تراجع نسبة النموّ وازدياد الركود الحاصل جرّاء أزمة كورونا. وفي دراسة صادرة عن المعهد الألماني للبحوث الاقتصاديّة ورد أنّ الحرب في أوكرانيا تسبّبت في تكلفة الاقتصاد العالمي أكثر من تريليون دولار العام الماضي.
وذكر مايكل غروملينغ، أحد المشاركين في الدراسة، أنّ مشاكل إمدادات الطاقة والموادّ الخام قبل كلّ شيء تضغط على الشركات في جميع أنحاء العالم. تورُّط الدول الأوروبيّة في وحول الحرب إلى جانب أوكرانيا كلّفها خسائر فادحة.
وتعدّ ألمانيا من بين أوائل تلك الدول التي تأثّرت بالحرب الأوكرانيّة، ولا سيّما أنّ قطاع الصناعة يعتمد بنسبة كبيرة على الغاز الروسي. تبدو ضريبة الحرب باهظة على الاقتصاد الألماني إذ تشير الدراسات إلى تكبّده خسائر بقيمة 175 مليار
يورو.
وفي هذا السياق، لفت بيتر أدريان، رئيس اتّحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانيّة، إلى أنّ آفاق النموّ المستقبليّة في 2023-2024 أقلّ من دول كثيرة أخرى، وكذلك الحال في العام الماضي(رويترز). وعن تداعيات الحرب على أسعار الطاقة في ألمانيا، أصبح سعر الغاز أعلى ثلاثة إلى خمسة أضعاف ممّا هو عليه في الولايات المتّحدة، والكهرباء أعلى بأربعة أضعاف ممّا هي عليه في فرنسا. وقد أعلن معهد كولونيا للأبحاث الاقتصاديّة أنّ خسائر اقتصاد ألمانيا ستصل إلى ما يقارب 600 مليار يورو مع نهاية 2023. وانكمش اقتصادها بنسبة 0.2% نهاية العام الماضي، وهي نتيجة أسوأ ممّا تمّ الإبلاغ عنه سابقًا، وتزيد من احتمال حدوث ركود على خلفيّة ارتفاع تكلفة الطاقة. وقال المعهد الوطني للإحصاء (ديستاتيس) « إنّ ارتفاع الأسعار وأزمة الطاقة أثّرا على الاقتصاد الألماني في نهاية العام». وأضاف إنّ» الاستهلاك الخاصّ والاستثمارات» هما اللذان» كبحا النشاط». كما توقّع البنك المركزي الألماني» بوندسبنك» في تقريره الشهري أن ينكمش اقتصاد البلاد لربعين متتالين، وذكر أنّه» من المرجّح أن يكون الناتج الاقتصادي في الربع الأوّل من عام 2023 أقلّ مجدّدًا ممّا كان عليه في السابق» (وكالة الأنباء الألمانيّة). كما أوضح رئيس المعهد الألماني للبحوث الاقتصاديّة مارسيل فراتزشر لصحيفة راينيشه الألمانيّة أنّ الضرر الدائم الذي قد يلحق بمكانة ألمانيا كموقع اقتصادي يمكن أن يحدث إذا لم تسرّع الشركات جهودها لخفض استهلاك الطاقة والتّأسيس لتحوّلات رقميّة
واقتصاديّة.
في عالم تتفوّق فيه المصالح الماديّة على حساب أرواح الأبرياء، هل ستكون الضغوطات الاقتصاديّة رأس الحربة في تغيير قرارات الحرب، وتدفع إلى إيجاد مخرج سلمي يخفّض على الأوروبيين، بالدرجة الأولى، الفواتير الباهظة التي زجّهم فيها التحالف ضدّ بوتين؟ أم أنّ عنجهيّة الرؤوس المتصارعة ستنجح في تأجيج الصراع وحرْق ما تبقّى من عباد الشمس، واستبدال الحنطة
بالألغام؟
كاتبة لبنانيّة