سدود تركيا والمفاعل النووي الياباني

آراء 2023/03/02
...

  صلاح حسن


لم يكن زلزالا واحداً، بل كانا اثنين أحدهما بقوة 7.8 درجة , والآخر 7.7درجة والفرق بين حدوث الأول والثاني كان 9 ساعات فقط, وسميا زلزالين ضحلان، لأنهما وقعا على عمق قريب من سطح الأرض لم يتجاوز الـ 4 كيلومترات, وهذه أسباب قوة التدمير الهائلة التي أحدثها الزلزال في المناطق المنكوبة من جنوب تركيا وشمال سوريا , إضافة إلى المساحة التي شملها التدمير، والتي قارنتها منظمة الصليب الدولية بمساحة تقارب مساحة دولة فرنسا.


لكون المنطقة المنكوبة ما زال معظمها مغطى بالثلوج, فإن الوقت يعدُّ مبكرا بالنسبة للخبراء ولأقمار الصناعية الكشف عن التغيرات الجيولوجية، التي طرأت على صفيحة الأناضول ومدى التحرك الجديد للصفائح التكتونية, وقدر الأخطار المستقبلية في حدوث زلازل جديدة في منطقتي الفالق الشرقي والجنوبي لصفيحة الأناضول التي تقع عليها الدولة التركية, وهذا ما سلط الضوء على توقعات الأخطار المحدقة بالسدود الكبيرة والكثيرة التي انشأتها تركيا في العقود الأخيرة في منطقة جنوب الأناضول , والتي يمثل تضررها أو انهيار بعضها لا سمح الله خطرا محدقا بمساحات واسعة من أراضي تركيا وسوريا والعراق , ويعيد إلى الأذهان مشهدا قريبا عاشته دولة الباكستان بسبب غزارة الأمطار الموسمية, والذي يعد اشد الفيضانات العالمية قسوة في القرن الجديد, حيث لقى مئات الأشخاص مصرعهم وادى إلى نزوح مايقارب الـ12 % من مجموع سكان البلاد. أو زلزال اليابان عام 2011 الذي ارتبط بماعرف كارثة مفاعل فوكو شيما، الذي ادى تضرره بالزلازل وانفجار بعض أجزائه إلى اخلاء السكان من مناطقهم وبشعاع طوله 10 كيلو مترات من محيط المفاعل, وقد ساعد تطور اليابان في المجال العلمي والتكنولوجي, ناهيك عن استعدادها الدائم للزلازل, إلى تفادي حدوث كارثة نووية شبيهة بما حصل في مفاعل تشرنوبل نهايات القرن الماضي. منذ بدء الحكومة التركية بتنفيد مشروع استصلاح جنوب الأناضول (الكاب), انطلقت الآراء ومن جهات علمية ومختصة, بخطورة انشاء السدود الكبيرة التي سيؤدي وجودها إلى تفعيل وحث النشاط الزلازلي في مناطق صدع الأناضول الجنوبي, الذي تميز بالهدوء وضعف النشاط طيلة القرن الماضي, وقد استشهدت الدراسات بالزلازل التي حدثت في مناطق غير معروفة بحوادث الزلازل, وذلك نتيجة بناء سدود مائية ضخمة فيها، وحصر المياه في بحيرات عملاقة مما يؤ دي إلى زيادة الضغط على الأراضي، وثمة شواهد لزلازل حدثت في الولايات المتحدة ومصر والهند والصين, وهذا ماعرف بالزلازل 

المستحثة. 

من المفارقات أن ضغط الصفائح (الأفرو أورو اسيوية) هي السبب وراء تجدد الزلازل المدمرة في تركيا, وايضا موقع تركيا الوسيط في النطاقات الأفرو أورو اسيوي كان حجر زاوية في ستراتيجية حزب العدالة والتنمية للدور التركي العالمي بعد نهاية الحرب الباردة، لجعل تركيا دولة محورية في السياسات العالمية بدلا من صفة الدولة الجسرية ايام الحرب الباردة, وقد اتخذت تركيا الجديدة من المياه كسلاح ستراتيجي، وأعلنت أن مياه نهري دجلة والفرات عبارة عن ثروة تركية خالصة, وقد صرح وزير الخارجية السابق (داود أوغلو في كتابه العمق الستراتيجي)، في ما يتعلق بستراتيجية تركيا طويلة المدى تجاه الحزام الجيو ستراتيجي الممتد من شمال القوقاز حتى الخليج, فمن المؤكد أنها مضطرة إلى إعادة تحديد المبادئ الأساسية لهذه الستراتيجية، سواء من حيث توزع مصادر المياه أو النفط أو من حيث مكانتها داخل الوضعية الجيو سياسية 

الدولية.