جواد علي كسار
عام 2019، توفي الكوري الجنوبي كيم وو جونك رئيس مجموعة دايوو، تاركاً وراءه تجربة إنسانية عميقة في تطوير بلده صناعياً، عبر كتابه الأشهر: «شوارع مفروشة من الذهب: الطريق إلى النجاح الحقيقي».
لقد عكس الكتاب تجربة اليتيم كيم، وقد عاش الفقر المدقع في كنف رعاية والدته، بعد أن فقد أباه أسيراً في الحرب، وكيف كان يقطع الطريق الموحل إلى مدرسته حافياً لمدّة ساعتين يومياً، لتكون حصيلة هذه المعاناة والفقر، ليس اليأس وندب الحظّ البائس، بل تأسيس مجموعة: «دايوو» التي ما لبث أن تحوّلت إلى شركة عالمية لها فروع بعشرات البلدان، وتحقق أرباحاً بالمليارات.
قبل أسبوعين نعت شركة تويوتا اليابانية رئيس مجلس إدارتها الشرفي سوتجيروا تويودا، بعد أن وافاه الأجل عن (97) عاماً، لنلتقي مجدّداً في القصة نفسها؛ قصة العطاء من أجل صناعة المجد الشخصي الحقيقي، وبناء البلدان. أجل، ثمّ فارق إنساني بين التجربتين، فالكوري كيم نشأ فقيراً ولم يذعن، عندما حوّل فقره إلى تجربة نجاح هائلة؛ والياباني تويودا ورث الثراء عن عائلته، لكنه أضاف إليها الكثير من التقدّم والنجاح؛ وبذلك اختلفت مقدّمات النشأة، ليكون النجاح والعالمية هو المساحة المشتركة بينهما.
أسس والد تويودا شركة تويوتا عام 1937م، ثمّ آلت رئاستها إليه عام 1952م. اتجه بنشاطها نحو الولايات المتحدة الأميركية عام 1982م، وكان من مكاسبه الدخول في تواصل مع شركة جنرال موتورز الأميركية عام 1984م، تمخّض عن إنشاء أول مصنع لإنتاج سيارات الشركة في ولاية كنتاكي عام 1988م، وبذلك حوّل الصداقة مع الشركات الأميركية إلى تعاون فمنافسة، لتكون الحصيلة أن مبيعات تويوتا فاقت مبيعات فورد وجنرال موتورز، داخل أميركا نفسها عام 2022م، وبذلك صار هذا التفوّق واحداً من علامات هيمنة اليابان اقتصادياً على أميركا، بحسب توصيف صحيفة نيويورك تايمز.
من العلامات البارزة في حياة الرجل قراره الانسحاب من إدارة الشركة عام 1999م، وترشيحه لولده كي يخلفه في إدارتها، لكن مجلس الإدارة اعترض بأن ولده لا يزال شاباً لكي يترأس الشركة (45 عاماً)، فأذعن للقرار مع أنه هو صاحب الشركة، ولم يتسنّ لولده أن يصل إلى قمة الإدارة إلا بعد ثماني سنوات، أمضاها متدرباً في الشركة!
هاتان تجربتان من بلدين شرقيين في النجاح وبناء البلدان، وغيرهما كثير في العالم من حولنا، ولستُ أدري متى يخرج بلدنا من نطاق التجارية الطفيلية وعقلية الربحية السريعة، ويدخل في طور البناء والتصنيع والإنتاج غير الريعي؟!