حسب الله يحيى
لماذا نعتمد الكثرة؛ والنفائس في الحياة والواقع والبشر.. قلة؟ ولماذا لا نستحضر امام بصيرتنا مقولة الامام علي (ع) وهو يدعو: {لا تستوحشوا الحق لقلة سالكيه}. ولماذا نتبين أن عظماء الكون على مر الأمنة.. هم القلة؟ لا تكون الحقيقة ملكاً للكثرة في كل الأوقات، وفي جميع المواقف.
الكثرة التي تطالب بقوت يومها وعملها ونقاء مياهها وضوء حياتها وحرية أنفاسها.. هي كثرة تمتلك الحقيقة.
والكثرة من الفاسدين والجهلاء والدخلاء على هذه الوظيفة أو تلك، لا تعني أبدا أن كثرة أعدادهم من شأنها أن تجعل من سلوكهم وممارساتهم، حقا مشروعا، وأداء سليما واحتراما مقبولا.
المشروع السليم والمقبول؛ هو ما يتفق مع ارادة المجتمع في حق العيش والعمل والامن والعافية والرفاه.. أما أن تصادر هذه الكثرة السالبة، حقوقا يكفلها القانون والمثل والقيم الاجتماعية لقلة من البشر اغتصبت حقوقها وممتلكاتها وأصواتها وأعرافها؛ فإن هذا الاجراء يدين الكثرة التي لا تدين بقانون ولا عرف.. وإن كثر عددها.
المشكلة.. إن كثرة مما تبؤوا السلطة في غفلة من الزمن، تنكروا للقيم النبيلة التي كانوا عليها، لمجرد أنهم أحسوا بدفء الكراسي الفارغة التي شغلوها، بدعم من هذه الجهة أو تلك.. وكأن هذه الكراسي، طوق نجاة ازلية تقيهم من الغرق، وأنهم حكموا على الاخرين بالباطل ووجهوا اليهم الاتهامات فيما احتفظوا لانفسهم بالوجاهة الزائفة.. وما دروا ان القيم الطيبة التي تخلو عنها بعد احتلالهم هذه الكراسي؛ لا يمكن أن تحقق لهم النجاح ولا ان تنقلهم من المستنقع الذي أوقعوا انفسهم فيه، كنتيجة طبيعية لغرورهم وشعورهم أنهم الأعلى إداريا، فباتوا يعدون انفسهم بوصفهم الأفضل والأكثر استحقاقا لما هم عليه؛ في وقت يدرك المجتمع مثلما يدركون هم أنفسهم؛ أنهم أدنى من أدنى موقع يحق لهم اشغاله والحكم على الناس من خلاله.. ذلك ان تجربة العمل سرعان ما تكشف عن هوية هذه الكثرة، التي تزعم أنها الأجدر والأهم في حكم الناس وتسييس حياتهم، التي تؤدي في نهاية الامر إلى فشل ذريع، وقد كشفت عنه السنوات العجاف التي شغلوا فيها مقاليد الأمور.
من هنا نرى.. أن الحديث عن الكثرة والقلة، لا تمتحن الا بالعمل البناء والمثمر..بدليل أن السنوات العصيبة التي مرت من 2003 لم تكشف لنا عن صلاحية كثرة ممن تولوا ادارة البلاد، على أنهم الأكثر صلاحية من تلك القلة النابهة التي لا تمتلك من الدنيا سوى عقولها النيرة وارادتها الخلاقة وعفاف نفوسها وغنى أخلاقها.. حتى إذا أرادت أن تضيء الدروب؛ فوجئت بكثرة، تحول بينها وبين العمل المنتج.. فما كان عليها الا أن تهاجر، لتسهم في بناء أوطان جديدة، ذلك أنها خلقت وأعدت نفسها للعمل الجاد والرصين، وليس بمقدورها أن تعمل خلاف ما تعتقده وتعد نفسها للعمل النبيل والنظيف خلافا لما تعتقده، وتعد نفسها لممارسته بدقة واتقان ومسؤولية، إلى جانب عطاء نقي وسلوك قويم على كل المستويات، هذه القلة من العقول العلمية والكفوءة والحكيمة؛ لم تعد تجد لنفسها مكانا يتسع لوجودها في ظل هذه الأمية وهذا الفساد وهذه الاجراءات التعسفية التي تواجهها.. لذلك شدت رحالها وغامرت وضحت بالغالي والنفيس، لكي تحيا الحياة التي اتقنت صنعها، وتريد نشرها بحق في حياة سليمة يمكن للمجتمع أن يعيشها.. فإذا هي تجابه منطق (الكثرة) التي يلتزم بها كل منافق ودعي وطارئ وزائف.. ملأ المكان ضجيجا والزمان
زيفا.. لكي يقطف كل منجز طيب
ويضع بديلا عنه خرابا وفشلا ذريعا وتسويغ كل الأسباب الكاذبة التي يمكن أن تحوله التى واقع دعي، يجانب الحق والحقيقة بوصفه يمتلك اكذوبة (الكثرة) وما هي الا كثرة لا تصلح صلاحا ولاتحول دون باطل، إنها تمسك بعصا عصية على منطق الاشياء وعدالة
الحياة.
الحياة وضوح والعصا عصيان زائف لا بدَّ أن ينكسر.