الحُزمة والحَزم

الصفحة الاخيرة 2023/03/06
...

عبد الهادي مهودر 

تكشف آخر الإحصائيات عن أكثر من ثلاثة ملايين سيارة في مدينة بغداد، والعدد مفتوح في ظل الاستيراد الفائض عن الحاجة والقدرة الاستيعابية لشوارع العاصمة المصممة لاستيعاب (نصف ربع) هذا العدد الكبير، يقابلها لسوء التخطيط افتقار العاصمة لوسائل نقل كافية وملائمة وملتزمة بالتوقيتات تشجّع الناس على الاستغناء عن سياراتهم الشخصية، وخلال السنوات الماضية أنجز القطار المعلق ومترو أنفاق العاصمة في الوعود والأحلام وبقي الحال على ما هو عليه من فوضى واختناقات وإهمال لقطاع النقل، وللمرة الأولى يستبشر أهالي بغداد بالتفاتة لإعمار الطرق وتحديد خريطة العمل بأسماء المناطق والساحات وتوقيتات الإنجاز، وهذه المرة مختلفة، فأهالي بغداد سيكونون هم الشهود العيان ومراقبو العمل على تنفيذ "الحزمة الأولى" لفك الاختناقات المرورية، وستكون المشاريع الستة عشر التي أعلنها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تحت أنظار عامة الناس منذ لحظة وضع المخططات وحتى تصبح حقيقة على الأرض، ولأن بغداد مختنقة أصلاً، فالحزمة تتطلب حزماً وشداً للحزام واختصاراً للزمن وإلزاماً والتزاماً بالسقوف الزمنية وازعاجاً رقابياً نهارياً وليلياً للشركات المنفذة، ولم يتردد رئيس الوزراء في استخدام مفردة (الازعاج) "سنزعجكم في المتابعة.. مع وزير الإعمار المزعج في المتابعة" وهي المفردة التي أنتج غيابها قائمة طويلة بالمشاريع المتلكئة التي لم ير منفذوها الازعاج اللازم والعين الحمراء، وتجربة بناء مجسر الباب المعظم يجب أن تكون حاضرة ومثالاً لا يحتذى أمام الجهات المنفذة للحزمة الأولى حتى لا تتكرر القصة ولا تتسبب الشركات المنفذة للمجسرات والأنفاق باختناقات جديدة وقطع للطرق خلال مراحل البناء، فهذا المجسر الذي يبلغ طوله نصف كيلو متر، خلق تأخر إنجازه حالة تذمر وانتقادات واسعة في حينه ووصفته الصحافة تهكماً بسور الصين العظيم، لتجاوز سقف إنجازه المدة المحددة بثمانية عشر شهراً إلى ثماني سنوات على الرغم من وقوعه في قلب بغداد ووسط منطقة شديدة الاختناق، وبحجج مختلفة مثل عدم توفر التخصيصات وظهور مفاجآت غير سارة لم تكن ضمن خريطة العمل كشبكات المجاري والكهرباء، وهي حجج وأعذار مضحكة، فهل كانت الشركات التي حفرت الأرض بأعماق كبيرة تتوقع العثور على كنوز وليرات ذهب من عصور بغداد القديمة، فلم يجدوا غير شبكة أنابيب المجاري الثقيلة وتوقف العمل من هول الصدمة!؟ 

مرة أخرى نقول هذه المرة مختلفة بالنسبة للحكومة التي يمثل لها مشروع الحزمة الأولى تحدياً جاداً باعتباره بحكم المنجز لتضمينه في المنهاج الحكومي وموازنة عام 2023، ومختلفاً بالنسبة للمواطنين الذين سيكون العمل تحت أنظارهم صباح ومساء كل يوم، ولا توصِ حريصاً على المتابعة المزعجة والعين الحمراء.