عبدالزهرة محمد الهنداوي
مرَّ التعداد العام للسكان والمساكن، بمخاضات كبيرة ومتعددة، وغالبا ما تنتهي تلك المخاضات إلى الاجهاض، اذ لم يتمكن العراق من تنفيذ هذا المشروع على مدى عشرين عاما، منذ التغيير الذي شهدته البلاد عام 2003، وما يربو على الربع قرن منذ تنفيذ اخر تعداد عام 1997، الذي لم يكن مكتملا لعدم شموله محافظات اقليم كردستان، ومن المؤكد أن غياب التعداد كل هذه السنين تسبب بحدوث فجوة كبيرة في البيانات والمؤشرات التي تغطي المشهد العراقي بجميع تفاصيله، ونتيجة لاتساع هذه الفجوة، فقد اصبح حالنا، كمن يسير في غابة مترامية، متشابكة الأشجار، حتى لا يكاد يتبين طريقه، وفي اي اتجاه عليه أ يسير لكي يخرج من مجاهيل تلك الغابة، فلكي يخرج بسلام عليه أن يتسلق أعلى شجرة، لكي يستبين منها سبيله للنجاة، والشجرة هنا ترمز إلى أهمية التعداد ودوره في رسم المسارات السليمة للحياة.
اما لماذا لم يُنفذ التعداد، طيلة السنوات الماضية، على الرغم من أن دورية التعدادات هي كل عشر سنوات، وهذا معيار عالمي، حيث انتظم العراق في اجراء تعداداته في الاعوام 1977 و 1987و 1997، وهذه التعدادات نفذها الجهاز المركزي للاحصاء في وزارة التخطيط، سبقتها (٥) تعدادات كانت تُنفذ من قبل وزارة الداخلية، والخمسة الاولى كانت لاغراص قيدية، بينما جاءت الثلاثة الاخيرة لاغراض تنموية، وكان من المؤمل أن يتم تنفيذ التعداد التاسع عام 2010، وبعد استكمال وتنفيذ جميع المراحل، وبات البلد قاب قوسين أو ادنى من التنفيذ، أُثيرت قضيتان عصفتا بالمشروع الذي انتظره العراقيون طويلا، تمثلت القضيتان، بملفي المناطق الملونة (المختلف أو المتنازع عليها)، وسؤال القومية الذي ورد في استمارة التعداد، ولما لم ينجح الفرقاء من حسم هذين الملفين، فقد حسموا امرهم بالذهاب نحو التأجيل إلى إشعار آخر، وقد طال هذا الاشعار حتى اصبح عمره اكثر من 10 سنوات!!، وعلى الرغم من قناعة الجميع باهمية ووجوب اجراء التعداد، لإدراكهم أنه سيسهم في معالجة الكثير من المشكلات العالقة في الواقع العراقي، منها ما يرتبط بعدالة توزيع الثروات، وفقا للحجم السكاني في كل محافظة وقضاء وناحية، ومنها ما يرتبط بقضايا اخرى عالية الاهمية، إلا أن البعض ما زال رهين مخاوفه، فيذهب للربط بين ما اشارت اليه المادة الثانية من المادة 140 من الدستور التي اشارت إلى اجراء الاحصاء السكاني في كركوك، بوصفه أحد المراحل الثلاث لتطبيع الاوضاع في المحافظة، وبين التعداد العام للسكان، في حين أن المحكمة الاتحادية فصلت في عام 2010 بين الامرين، واكدت بعدم وجود اي علاقة بينهما، فلكل واحد منهما اهدافه، فالاحصاء يتعلق بمحافظة كركوك، اما التعداد فهو أشمل وأوسع وأكبر بكثير من احصاء المادة 140، وهذه حقيقة ينبغي على الجميع ادراكها، وان يتحرروا من مخاوفهم، فعدم تنفيذ الاحصاء في المناطق الملونة لا يعني باي حال من الاحوال عدم المضي باتجاه تنفيذ التعداد، فحاجتنا إلى الأخير كبيرة، وهذه الحاجة تستدعي تضافر جهود الجميع من اجل ضمان نجاحه، فهذا النجاح هو الكفيل باخراجنا من تلك الغابة الظلماء التي نسير بين أحراشها.