أعراف العشيرة

الصفحة الاخيرة 2023/03/07
...

حسن العاني



في وقت مبكر من مراهقتي بدأت أرتاد مضيف العشيرة مكرهاً، وذلك بناء على طلب والدي الذي لا أجرؤ على رفض طلب له، وكان كرهي للمضيف نابعاً من كرهي لشيخ عشيرتنا، فهو رجل أُمي متسلط لا يقيم وزناً لكبير أو صغير، وربما زاد حقدي عليه، أنه كان يعاملني كما لو كنت عبداً من عبيده أو أقل من ذلك، وينظر إليّ بصفتي (ولد ابن مدينة مايع، وليس من رجال العشيرة الشجعان)!

فجأة ومن دون مقدمات تغيرت وجهة نظره نحوي بمجرد معرفته أنني حصلت على الشهادة الجامعية، ومرشح للتعيين في وزارة الخارجية. لأن أعلى شهادة بين أفراد العشيرة هي المتوسطة، حصل عليها ابن عمتي قبل (13) سنة، وهكذا راح الرجل يعاملني باحترام كبير، ويفرد لي مكاناً إلى جانبه في صدر المجلس، ويناديني بمفردة (ستاد)، وذات مساء طلب مني بلهجة أمرية أن أرشح نفسي لعضوية البرلمان، فاعتذرت على الفور وأوضحت له بأن الترشيح والفوز يحتاجان إلى مهارات وألاعيب وفنون وأكاذيب لا أُحسنها ولا أُريد أن أكون أضحوكة للآخرين. انزعج الشيخ وقال لي [لا عاش اللي يضحك عليك وآني موجود] ولكي أهرب من التكليف قلت له [فوزي في الانتخابات غير مضمون!]، غضب الرجل جداً ووضع أصابعه على شاربه وقال [اسمعني زين سأحلق هذا الشارب إذا لم أضمن لك هذا الفوز.. لعد أني ليش شيخ؟].

الحماسة على ما يبدو ذهبت به بعيداً عندما عاد إلى شاربه من جديد وقال [سأحلقه وألبس عباءة النسوان، ولا أجلس بين الرجال إن لم أضمن لك أعلى منصب في الدولة!]، ثم انطلق في حديث إنشائي طويل عن منزلته وعلاقاته وتحالفاته الواسعة، ولكون منصب رئيس الحكومة (أصبح في الجيب) على وفق قناعته، فقد طلب مني، بالأحرى (أمرني) أن أهيئ له على وجه السرعة قائمة بأسماء وزراء (حكومتي) وأعرضها عليه، ولم يكن أمام (الولد المايع) سوى الخضوع والاستجابة الفورية انسجاماً مع العرف العشائري، وصلاحيات الشيخ المطلقة!.

على الفور – وأنا غير مصدق- عكفت على اختيار أفضل العناصر الوطنية التي أعرفها، بغض النظر عن كونها مستقلة أو حزبية، كما اخترت أعلى العناصر شهادة وأكثرها خبرة وكفاءة، وأنبلها عفة ونزاهة، إلا أنه رفض التشكيلة مثلما رفض التشكيلة الثانية والثالثة من دون أن يذكر سبباً. لم أيأس، هيأت تشكيلة رابعة بالمواصفات نفسها، وقررت هذه المرة ألا أتراجع عنها، وحين عرضتها عليه، مزقها قبل قراءتها على مهل وهو يصرخ في وجهي [يا ولد يا مايع، لا يوجد وزير واحد من عشيرتنا ولا العشائر المتحالفة معنا، ماذا أقول لهم: نحن نناضل وغيرنا يتسلم السلطة؟!]، وقبل أن يطردني غادرت المضيف وأعلنت براءتي من العشيرة، وشعرت أنني حر وقادر على اتخاذ قراري وتشكيل حكومة مثالية، ولكن المشكلة أنني منذ أن أصبحت حراً لم يكلفني أحد بتشكيل شيء حتى لو كان فريقاً للعبة المحيبس!.