الذوق العام {وجهة نظر نقديَّة}

آراء 2023/03/08
...

  كاظم لفتة جبر


يعبر مفهوم الذوق العام عن احساس المجتمع، وتفاعل والتزام الأفراد أخلاقياً بمنظومته الثقافية، فالذوق العام يعبر عن سلوك الأفراد وتعاملاتهم مع الآخرين واختياراتهم للأشياء وتذوقها، وانصهار رغباتهم في منظومة واحدة موجهة بوعي من قبل سلطة تفرض نفسها فكرياً على الأفراد تسمى الذوق العام، وتستمد قانونها من العادات والتقاليد، و الدين، والاقتصاد، والفن والجمال، أو من النظام السياسي، الذي يعتمد على الأنظمة الأخرى في فرض مبررات سلطته، فكل جماعة أو مجتمع أو أمة، تتميز بذوق خاص بها، يعبر عن ثقافة المجتمع وتقدمه، ومدى انصهار المجتمع مع نفسه، أو المجتمعات الأخرى المحاطة به.

فالذوق العام يعتمد في تمظهره على التحولات التي تمس طبيعة المجتمع، وهذا ما أكده ماركس بقوله: إن كل مجتمع بشري يتكون من بنيتين: (بنية تحتية)، تتكون من عوامل الإنتاج والعمال والمصانع وجميع ما يوفر الحاجات البشرية، و(البنية الفوقية)، التي تتكون من الأفكار السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فكلاهما قائمتان على الصراع الجدلي في ما بينهما، وهذا الصراع هو الذي يحدد وجهة المجتمع وذوقه العام، فإذا حدث تغير في عوامل الإنتاج، تأثر به الفكر والنظام المجتمعي، وكذلك العكس، والأهمية في التحديد تقع على الجانب التحتي العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.

اذ كانت المجتمعات البشرية القديمة تعيش نمطاً واحدا من دون تغير يذكر، إلا في بعض النواحي القليلة، لكن مع مجيء الثورة الصناعية قلبت الأشياء رأساً على عقب، اذا أصبح التغير أمرا مهما في العصر الحديث، وفي خضم ظهور المجتمعات الديمقراطية وخاصة في أميركا أصبح مفهوم الذوق العام يخضع للنسبية إيمانا منهم بالحريات للفردية التي تنمو وسط الجماعة، وهذا ما جعل الفلاسفة البراغماتيين يقرّون أن حقيقة الفعل والسلوك الأخلاقي والجمالي للأفراد تخضع لمنهج الفائدة العملية، فكل فعل أو سلوك يقوم به الفرد ويكون فيه فائدة للمجتمع، فهو جميل وحقيقي ونبيل ويلائم الذوق العام للمجتمع، وفي ظل ظهور أزمة الذوق العام في المجتمع العراقي، وانتشار المحتوى الفارغ من دون معنى، اخذت سلطة الدولة فرض قانونها على أصحاب المحتوى الهابط مع عدم وجود معايير واضحة للمحاسبة، أو الأخذ بالدراسات العلمية لمعرفة الأسباب التي أدت إلى انحطاط المجتمع، وبما أن المجتمع العراقي يعد من المجتمعات المقهورة لما لاقى من ظلم إبان النظام السياسي السابق والحالي، فهذه التغيرات في البنى التحتية والفوقية للمجتمع أدت بظلها على الأفراد، إذ نزح بعضهم إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن قهرهم من خلال الألفاظ والعبارات والحركات السوقية، متلازمة مع وجود ظاهرة إقبال الجمهور العام على هذه المحتويات، فنجد أنفسنا أمام مفهوم المحتوى الهابط، بوصفه مشكلة مجتمعية ليست خاصة بفرد واحد، كون القيم في المجتمع اخذت في الانحطاط، فكل فرد هو جزء من المجتمع والإنسان ابن بيئته.

فهل علينا محاسبة المجتمع ككل أو الأجدر المحاولة في إصلاح النظام العام للمجتمع.