مهددات القيم الأخلاقيَّة ومواجهتها

آراء 2023/03/08
...

 د.عبد الواحد مشعل


يواجه المجتمع العراقي في المرحلة الحالية جملة من المهددات، التي تستهدف منظومته الاخلاقية، وتؤشر في مرحلة من أشد مراحل التحول الثقافي خطورة، اذا ترك الامر دون فهم واعٍ لواقع الشباب، ولعل ابرز تلك المهددات، وقت الفراغ الطويل دون وجود ما يشغل حياتهم اليومية من نشاط أو عمل، ما يخلق ظروفاً صعبة وحياة قلقة، ومشكلات أسرية وحالة من الاكتئاب والضياع، تؤدي بشكل أو بآخر إلى سلوكيات منحرفة عن قيم المجتمع وعاداته الاجتماعية، مثل تعاطي المخدرات والانخراط في جماعات الجريمة بانواعها المختلفة

 

 فضلا عن سلوك الخداع والنصب والاحتيال والكذب، كما يعد الاستخدام السيئ أو غير الواعي لوسائل الاتصال المختلفة، من ابرز تلك المهددات التي تواجة الكثير من أبناء المجتمع بفئاته العمرية المختلفة لما تنقله بعضها وتروج له من عادات غريبة عن مجتمعنا، لا سيما في مرحلة الطفولة والمراهقة يقعون في دائرة ثقافية وقيمية مقلدة، تتقاطع مع قيم اسرهم ومجتمعهم، بحيث تصبح مواعظ وارشاد الآباء والامهات والمعلمين المجرد والشفهي عديم الجدوى، فالثقافة الجديدة تفرض على هذه الفئات قناعات لا تنفع معها الاساليب التربوية التقليدية بشيء، فما تطرحه وسائل الاتصال من أفكار وما تبثه من صور حياة متغيرة ومتنوعة من مختلف العالم، تجعل عملية التاثير في قيمهم الاخلاقية فعالة ومؤثرة، اذا ما تقترن بوسائل تطبيقية وعملية قادرة على الاقناع، فغياب التوافق الثقافي يضع الأجيال الجديدة امام حالة من التمرد أو عدم الاهتمام ما يوجهه الآباء والأمهات لهم من النصح أو التذكير بقيم الاجيال التقليدية لأسرهم ومجتمعهم، إذ تعد الفجوة بين ثقافة الاباء وثقافة الابناء من اكبر المهددات التي تواجة الاجيال الجديدة في بئيتهم الأسرية، ناهيك عن الاساليب التربوية التقليدية في المدارس والجامعات، التي لم تتمكن من تحديث اساليبها بما يتناسب والتحولات الثقافية في العالم، فضلا عن وجود مهددات اخرى مثل عدم اشباع الحاجات المختلفة، وغياب المؤسسات الترفيهة و ضعف النشاطات الرياضية والفنية في تنمية الذوق وتعزيز ثقافة التعامل مع الآخر، ويظهر أن هذه الاجيال قد تجاوزت أجيال الاباء والامهات في فهم قناعاتهم، وأصبح لديها قيمها التي تتلاء مع الحالة التي يعيشونها، وفي هذا المجال ينبغي الإشارة إلى أن ثقافة هذه الاجيال قد لا تكون سلبية على وفق ما يعتقده آباؤهم وامهاتهم، بقدر ما يمكن اعتباره في تصورات العالم المعلوماتي الحديث، حالة تنسجم مع التحولات الثقافية في عصر التحولات المفصلية في تاريخ الانسان الحديث، الذي يمتلك ادوات واليات عملية وتطبيقية تختلف عن حالة المواعظ والتوجيه المباشر، وما يمكن ان ينتج عنه بناءات ثقافية تنسجم مع تلك التغيرات الثقافية، ولعل خلق اجواء من الاستيعاب لثقافة الاجيال الجديدة والقدرة على التعامل معها بعيداً عن الانتقاد الحاد والمستمر دون القدرة على خلق اجواء جديدة من البيئات الثقافية التقومية تنسجم مع افكار الاجيال الجديدة، وأن القدرة على فهم ماهية تلك الأفكار وتهئية مسلزمات وحاجات الإنسان وإشباعها، يؤدي إلى انقاذ هذه الأجيال من حالات الانحراف أو الوقوع في شرك الجريمة والعنف، فالتفاعل مع التحولات الاجتماعية من قبل الأسرة والمؤسسات التربوية من شأنه أن يعالج ما ينتج عن تلك التحولات من سلوكيات قد لا تكون محط قبول المجتمع، لذا فإن الانتقال إلى حالة الاستيعاب وفهم لغة الاجيال الجديدة، يكونان هما الاسلوبان الاكثر نفعا في الحفاظ على ثوابت القيم الاخلاقية للمجتمع، وفي الوقت نفسه تكون الطريقة الاكثر قبولا، لتقديم قراءة معاصرة لثقافتهم لآليات التحول الثقافي في عالم معرفي واتصالي فاعل، ولا يأتي ذلك من خلال الطروحات النظرية، انما يحتاج إلى تنمية بشرية فاعلة وهادفة توجه عملية التغير الثقافي مقترنة بنهضةعلمية وصناعية، وهذا بمجمله لا يأتي الا عن طريق توفر الارادة الصلبة لدى صانع القرار في البلاد لاجراء ذلك، بما يمكنّ الانسان من التفاعل مع الحياة العصرية، بما يتوافق مع الجذر الثقافي والقيمي لمجتمعنا، وهذا لا يمكن الحفاظ عليه وتعزيزه، الا اذا فهمنا ماهية هذه المهددات ومعالجة ما ينتج عنها من تغيرات ونتائج، عن طريق عملية الاستيعاب والتعديل بعيدا عن حالة الانتقاد والمواعظ المجردة.