قصة ديالى

آراء 2023/03/08
...

 ساطع راجي


مع كل جريمة تشهدها محافظة ديالى تتحدث المصادر الأمنية والسياسية عن محاولات إرهابية لإثارة الفتنة في المحافظة، وتتوقف المعالجات عند حدود التحرك الأمني الآني ومحاولات الصلح الاجتماعي العشائري، ثم ينسى الجميع أو يتناسى موضوع مخطط الفتنة، حتى يقع حادث جديد وتتكرر الأقوال والإجراءات نفسها. 

تثير محافظة ديالى حيرة أي مراقب في استعصائها على الهدوء والأمن، فهي تشهد اضطرابا أمنيا واحتقانا اجتماعيا منذ عام 2003 بدرجة تفوق كل محافظات العراق الأخرى، وصارت بعض مناطقها الصغيرة مساحة وسكانا شهيرة جدا بسبب تواتر الحوادث المفجعة فيها واستعصائها على الحلول، ولا نجد من المتعاملين بملف المحافظة تفسيرا مقنعا ومتكاملا، بعيدا عن اللهاث وراء الأحداث المنفصلة والتعامل الآني المتسرع.

في السياق الطبيعي، يفترض أن ديالى الأكثر هدوءا ووداعة بين مناطق العراق، فهي محافظة خضراء وصغيرة المساحة وطبيعتها جميلة، وكانت لقرون طريقا تجاريا مهما، وهي أيضا متنوعة سكانيا، وهو ما يعني أن تعرف التنوع المتعايش منذ زمن بعيد، وهي أيضا قريبة من الحدود الإيرانية وقريبة جدا من بغداد، التركيبة السكانية والموقع الستراتيجي يتطلبان إيلاء أزمة ديالى بمجموعها الكلي اهتماما أكبر ومصارحة أشجع لتفكيكها هذا على افتراض وجود الرغبة والإرادة في ذلك، فتواصل وتعقد أزمة ديالى منذ سنوات تدفع أحيانا للشك في النوايا.

تقع ديالى في طرف خط أمني دولي يمتد داخل الأراضي العراقية من الحدود الإيرانية وحتى الحدود السورية، ويبدو الخط من جهة حدودا لإقليم كردستان، لكنه في الوقت نفسه مسار لتحرك الأطراف المتصارعة في المنطقة، وهي أطراف متنوعة الهويات والتوجهات ومنشغلة بملفات كثيرة، ولذلك فإن ديالى ملف شديد الخطورة، وهو يحشى بارودا منذ سنوات وموضع تدافع دولي، بينما لا يجد تعاملا عراقيا مناسبا لمستوى خطورته يستطيع التفريق بين ما هو محلي محدود وما هو خارجي ممتد.

إن استغلال ديالى وأزمتها المزمنة كمنبر لخطاب تصالحي غير عملي ولا دائم وذي طبيعة احتفالية، يعبر عن هشاشة وانتهازية القوى السياسية، التي تعتبر نفسها فاعلة في المحافظة، وهي قوى تعبث بالذاكرة القريبة للمواطنين، وتحاول تقديم كل حادث مفجع وكأنه الأول من نوعه في المحافظة، وإنها لم تتدخل سابقا بالآليات والخطاب السطحي نفسه، دون أن تنجح إلا في تحقيق ظهورها الإعلامي فوق الدماء.

ملف ديالى مسؤولية قيادات أمنية وإدارية، مطالبة أولا بالمكاشفة والمصارحة في تحديد مصادر وظروف كل هذا القلق المزمن والفواجع المتتالية.