يلعب الحظ أحياناً دوراً عجيباً في حياة الإنسان أو الجماعة، أو في العمل والدراسة والصناعة والتجارة، ولكن الكثير من الناس والعلماء والمؤسسات العلمية لا تؤمن بذلك، وترى في مسألة الحظ مجرد محاولة للهروب من الوقائع، وما حصل لإحدى أهم شركات الطيران الغربية، أثار اشكالية الحظ بصورة لافتة للنظر، فمع نهاية القرن الماضي أوشكت تلك الشركة العملاقة على الافلاس، بالرغم من سمعتها العالية، ذلك لأنها في أكثر من رحلة تتعرض إلى خلل فني لهذا السبب أو ذاك، وهو الأمر الذي جعل النسبة العظمى من الركاب تعزف عن خطوطها!
خبراء الشركة وفَنِيوها ومجلس ادارتها، زيادة على الاستعانة بأفضل خبراء الطيران في العالم، تدارسوا القضية، ورفضوا رفضاً قاطعاً حكاية (الحظ)، وأن ما حصل يمكن أن يحصل لأية شركة مماثلة، ولكن الأمر الغريب، بل الغريب جداً هو القرار الذي توصلوا اليه، والقاضي بتوسيع أعمال الشركة من النقل الجوي فقط إلى النقل (الجوي والبري والبحري)، ولتنفيذ مشروعهم العملاق، فقد حصلوا على قرض من المصرف قدره (3 مليارات دولار) بضمان ممتلكات الشركة بما فيها الأرض ... لم يكن لدى الخبراء ولا مجلس الادارة ما يدعوهم الى الشعور بأدنى درجة من درجات الخوف، ذلك لأن المعلومات (السياسية والعسكرية)، التي تسربت اليهم تفيد بأن النظام القائم في العراق بات على وشك السقوط بين ليلة وضحاها، ومن هنا رفعت الشركة اعلاناً هو الاوسع من نوعه، يفيد بإجراء تخفيض (30%) من أجور نقل الركاب العراقيين الراغبين بالعودة إلى بلادهم، والتقديرات الاولية تشير إلى أن اعدادهم تربو على المليون عراقي موزعين بين لندن واميركا ومعظم قارات العالم، ولكي يكتسب اعلان الشركة مزيداً من الاهمية والجذب، فقد ركزت وسائل الدعاية والاعلان على الاشارة الصريحة إلى أن التخفيض خاص بالمناضلين السياسيين العراقيين، وهذا التوصيف جاء بناء على نصيحة أوصى بها كبير خبراء الدعاية والاعلان في فرنسا !!. مع اطلالة الأشهر، أو الاسابيع الأولى من عام 2003 اصبح كل شيء شبه جاهز وواضح، إن لم يكن جاهزاً وواضحاً على أتم صورة، ومع أن اعضاء مجلس الادارة كانوا يسخرون من حكاية الحظ، ولكنهم لأول مرة شعروا بأن الحظ بدأ يبتسم لهم، لأن نظام صدام بدأ يلفظ انفاسه الاخيرة، وسوف يتوجه مئات الالاف من العراقيين إلى خطوط الشركة مستفيدين من مبلغ التخفيض العالي و .. وفيما سقط النظام فعلاً وبدأ (المناضلون السياسيون) بالتوافد على عراقهم الحبيب، حدثت المفاجأة التي لم يتحسب لها أحد، فقد عاد (3 %) عبر طريق البحر و(3 %) عبر طريق البر، و (4 %) عبر طريق الجو، في حين فضل (90 %) منهم العودة على ظهور الدبابات الاميركية، لأنها وسائط نقل مجانية وامينة وتتولى ايصال ركابها إلى المكان المطلوب مباشرة!.