نرمين المفتي
مسافة زمنية كبيرة بين الحلاج، المتصوف المعروف و المثير للجدل في حياته، وبعد اغتياله اعداما وبابلو نيرودا الشاعر التشيلي المعروف بمواقفه السياسية، التي جعلته أن يغادر بلده ولم يعد إليه الا ليتوفى. كذلك هناك مسافة جغرافية بعيدة بين الاثنين ومسافة ثقافية، ولكن مهما بعدت المسافات الزمنية والمكانية، هنا لابد من القول بأنني لم أهضم يوما المصطلح ( زمكان)، ربما لأنني غالبا لا احب اختصار الزمان و المكان. و مهما اختلف الحبيب فأن الحب يبقى كما هو، سواء الحب بمعناه الاوسع أو الحب بين اثنين. في أحد تجلياته التي يصفها البعض بأنها شطحاته، يقول الحلاج: “أنا من أهوى ومن أهوى أنا/ نحن روحان حللنا بدنا... فاذا أبصرتني ابصرته/ واذا ابصرته ابصرتنا”. ويقول نيرودا في إحدى قصائده من ديوان ( مئة سونيتة حب) : “ قريبة حتى أن يدك على صدري يدي/ قريبة حتى اغفو حين تغمضين عينيك”. ان يعبر اثنان مختلفان في كل شيء عن الحب بالصورة نفسها، يعني ان الحب هو نفسه منذ ان بدأت الخليقة، اقرب طريقة إلى الله سبحانه، فالايمان الحقيقي حب كبير. ان نحب، يعني ان نعيش وليس نحيا فقط، والفرق كبير بين الفعلين. الحب يختصر فترة انجاز العمل وهو نفسه الذي يدفع المحب، جنديا كان أو عاشقا، ان يدافع عما أو عمن يحب مبتسما. قبل أيام، احتفلت المنظمات غير الحكومية بيوم التسامح والتعايش الوطني العراقي، والذي يصادف اليوم الذي جرى به اللقاء التاريخي في النجف الاشرف بين سماحة المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني والبابا فرنسيس اثناء زيارته إلى العراق في 2021، ولكن لندور باعيننا عمن حولنا، هل سنجد الحب الذي يبني و يضحي و يعمر النفوس و التي بدورها ستعمر البنيان؟ أخشى أن يكون جوابي بالنفي، بل هو جواب يفرضه الواقع. الخراب يبدأ من الروح. اؤمن بأن الذي لا يحب نفسه لن يقدر على حب غيره، و لكن حبا سويا و ليس انانيا يدمر الاخرين و يديم نفسه. ولأنني وكثيرين غيري نشاهد، مرغمين، الحوارات السياسية على الفضائيات لنجد جوابا على سؤالنا الكبير: إلى اين نحن ماضون؟ سنكتشف أن التسامح ليس الا (كلمة) للاحتفال به، طالما استمر السياسيون في البحث عن مصالح أحزابهم وتناسوا بأصرار مصلحة العراق والعراقيين. الحب في معناه الأوسع هو الخير و الجمال و العطاء. و الحب في العراق اساس البشرية، إذ تقول رواية يتناقلها العراقيون شفاهيا، أن سيدنا ادم استمر متوسلا الله سبحانه لسنوات بعد طرده من الجنة أن ينزله في أرض تشبه الجنة، وكانت تلك الارض هي القرنة في البصرة، حيث التقى أمنا حواء في أول لقاء حب حقيقي في التاريخ، ذلك اللقاء الذي انجب البشرية. إن الحب الذي أسس لحضارات العالم بدأ من العراق، ولا بد أن يعود اليه كبيرا وواسعا كما كان. “ لا تصلح المحبة بين اثنين إلا أن يقول أحدهما للآخر يا انا “، يقول شيخ متصوفة بغداد سري السقطي. “ يا أنا “، هو الاخر، لايهم من يكون و كم يختلف عني وعنّا، إن استمرار وجودي انسانيا يكمن في الاخر الذي يكمل بعضه بعضي. هذا الآخر قد يكون انا أو أنت، هو أو هي.. و... يا أنا.