كتلة مهولة صلدة عكركوف.. حدائقُ فوق مملكة خفيَّة

الصفحة الاخيرة 2023/03/11
...

  بغداد: محمد إسماعيل

  تصوير: رغيب أموري


فراغ لا نهائي يحيط زقورة "عكركوف" الصاعدة نحو السماء.. كتلة صلدة، عدَّها مراقب الموقع علي باسم فرحان التميمي: "عاصمة الكيشيين في الألف الرابع عشر قبل الميلاد" كما يقول لـ "الصباح"، إن "جزءا بسيطا مكتشف من مملكة كيش.. تلال منقب ثلاثة بالمئة من تلك الحضارة".

ووجد المنقبون، بحسب التميمي: قصوراً ملكية ومعابد تبقت من حضارة سالفة، مؤكداً: "تعدُّ المتنفس السياحي الثاني إلى جانب طاق كسرى". وأضاف: لقد شيدت من اللبن.. كل تسعة صفوف من طابوق يفصل بينها حصير محاك من البردي والقصب"، لافتاً: "تعرضت لتعرية الأمطار والشمس والعواصف وعوامل الاندثار وتقادم الزمن؛ فدخلت عليها صيانة خلال التسعينيات، وحالياً على أبواب صيانة أخرى بإشراف الهيئة العامة للآثار والتراث، وهي على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي في اليونسكو".

وتستخدم زقورة "عكركوف" مرصداً عسكرياً ومكاناً للتعبد، حيث تتخذ موقعاً للآلهة أنشأه الملك كوري كالزو، حيث يشهد الموقع إقبال الأسر سياحياً؛ لكونه منطقة زراعية ريفية، وفقاً لتعبيره.

وتقع على بعد عشرين كيلومتراً من بغداد، خمسة قصور ملكية يفصلها عن الزقورة طريق مرصوف "بالسبيس"، وعلى جانبيه دكات بارتفاع متر وعشرين سينتمترا.. مستوية من الأعلى تنقطع مثل منصة للكتابة.. ويصف أن: الزقورة مهولة مثل بالون حجري مهيب، لها درجان من الأمام وواحد من الخلف.. أربع وعشرون طبقة كل واحدة من تسع لبنات يفصلها حصير من البردي، تخترقها ثقوب تدل على تجويف عميق، يسكنه جن تصورتهم.. ظهرا.. يطلون برؤوس مضيئة ليلاً ليغازلوا حوريات كيش.

شباب تركوا ذكريات حبهم، أبلغهم "أحمد أبو حسن.. أحبج أم حسن" سياج درج يؤدي إلى مسطح شاهق من دون سياج، يأخذ الماشي إلى درج ينتهي بالزقورة، التي نظرت إلى السماء من تحتها فرأبت سهماً صاعداً بقوة اندفاع أربعة عشر قرناً قبل الميلاد.

ريح قوية لاسعة البرد ظهراً، رجفت خوفاً عند أعلى نقطة روحانية في بقايا المعبد، و... نفسي تهفو إلى إيماءات حسان لا القرون الغابرة، وهي تومئ بأكف أثيرية تلمع تحت شمس الشتاء، أيقظتني صيحة رغيب: "تعال شوف الإيوانات" فوجدت تجديداً حديثاً لطراز بناء مندثر، ذي أبواب قوسية تفضي الى صالات ظلماء.. مسقفة بالحصران وأعمدة الخشب ومبلطة بالكاشي الكربلائي فوق اللِبِنِ الكيشي و... لا يرى فيها شيءٌ خلال النهار، ربما يضيئها ملائكة الليل، إن ظهروا قاهرين للزمن لالتصاقهم بالمكان عابرين القرون.