عباس الصباغ
منذ أن توافق الشعب العراقي على الدستور الدائم عام 2005 ولغاية الآن بقي دون تعديل، رغم المطالبات الكثيرة بذلك، فالدستور ليس نصا سماويا أو عُلويا غير قابل للتعديل، فأول من طالب بتعديله هم النخبة التي كتبته، ناهيك عن رأس السلطة القضائية، وذلك ورغم تشكيل العديد من اللجان البرلمانية الخاصة بذلك، إلا أن مواده الـ(144) بقيت عصية عن التعديل، فالدستور العراقي يعد من الدساتير الجامدة، اذ أخفقت جميع لجان التعديل في التوصل لاتفاق يؤدي إلى تقديم التعديلات للبرلمان للمصادقة عليها، ومن ثم الدعوة لاستفتاء شعبي، وهناك الكثير من المواد الدستورية التي تعد منبعًا للخلاف والصراعات والخلافات بين الكتل السياسية كبيرة جدًا، خاصة ما يتعلق بصلاحيات الحكومة الاتحادية والمحافظات والإقليم، فضلًا عن الخلافات على عدد أعضاء مجلس النواب وقانون النفط والغاز والمحكمة الاتحادية، وغيرها من المواد التي استعصت على التعديل .
فالمادة (142 - رابعا) نصت على أن التعديل الأول للدستور يتطلب عدم رفض ثلثي المصوتين في ثلاث محافظات، وهذا الشرط واجب التحقق لكي تمرر التعديلات الدستورية الأولى، يضاف اليها المادة 126 من الدستور العراقي، التي نصت على إمكانية لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس أعضاء مجلس النواب اقتراح تعديل الدستور مجرد اقتراح! ولكن بقيَّ الحال كما هو عليه.
الدساتير بوصفها مجموعة قواعد تنظيمية اجتماعية تتأثر بالظروف وتتكيـف وحاجات الجماعة، فتعديل الدستور ضرورة تقتضيها سُنة التطور في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية، لذا جرت محالات عديدة لتعديل الدستور العراقي لسنة 2005 لكنها اصطدمت بالمادتين 126 و142 التي حددتا آلية أي تعديل يجري على مواد الدستور واشترطت أن يخضع التعديل لاستفتاء شعبي، وألا يتم رفضه من قبل ثلثي ثلاث محافظات عراقية وهذا يعني شبه استحالة، وقد قصد المشرّع (المشرعون) من وضع هاتين المادتين في الدستور العراقي عرقلة أي محاولة للتعديل في هذا الدستور حفاظاً على «استقرار» البلد.
لا ينكر أحدٌ أن الكثير من مواد الدستور بحاجة إلى تعديل بسبب تغير الظروف السياسية والاقتصادية المستجدة، والتي فرضت واقعاً جديداً كان لابد من مواكبته تشريعياً، لأن هناك الكثير من مواده هي مواد غير مفهومة للجميع، وقابلة للتأويل والتفسير (حماّل أوجه)، وقد أدى ذلك إلى تعطيل الدستور لأكثر من مرة، مثل المواد الدستورية التي تتطلب أغلبية الثلثين لتشكيل السلطات، وتفسير الكتلة البرلمانية الكبرى وهو بحاجة إلى تعديل نحو 15 مادة منه، وهنالك قوانين عديدة بحاجة لتعديلات، منها شكل النظام السياسي، والمادة 140 والمادة 73 الخاصة بصلاحيات رئيس الدولة، والكثير من المواد الدستورية وصفت بـ(وتنُظم بقانون) أي تأجيلها إلى اشعار اخر فبقيت دون تنظيم دستوري.
وبالمختصر لا يمكن تحقيق إصلاحات حقيقية واقعية في البلاد ما لم يُعدَّل الدستور، وتبقى البرامج الحكومية حبرا على ورق .