حسب الله يحيى
الديماغوغية: مصطلح علمي يعني (تملق الجماهير)، وحين يقترن هذا المفهوم بعلم السياسة تحديدا؛ يتحول إلى وهم وإلى أمر مغاير للواقع ومعايشته والتعبير عنه.
ذلك ان ما نقرأه ونستمع اليه ونراه ونعيشه؛ يبيّن حجم هذا التملق والكذب المفضوح على الشعب. فكل السياسين الذين يعبرون عن هذه المرحلة يؤكدون بين جملة واخرى أنهم (يعملون لصالح الشعب) وأن (إرادة الشعب فوق كل ارادة) وفي تفاصيل اي حديث نواجه عدم مصداقية هذا الإدعاء لدى كل واحد منهم، بدليل أن الجميع يسقطون حال العراق وما آلت إليه الأوضاع من دمار وفساد وفوضى وفقدان للامن وانتشار للجهل والامية والمرض والفاقة.. يعود إلى من سبقهم.. ذلك أن كل من يستبد السلطة؛ يجد في سابقه أس البلاء وخراب البلاد ودمار العباد.. حتى اذا تغيرت الأحوال وعصفت بهذا وذاك، وجدنا الكلام نفسه يتكرر ويتهم ويدين سابقه، اعتزازا بالحاضر (الذهبي)، الذي يعد الجماهير بالكثير الزاهي وبالجنائن على الأرض.
في حين تبقى الأحوال وفي الغالب، تسوء وتتردى ويصبح الماضي أفضل من الحاضر.. وربما نحن الذين اكتوينا بالسلطات الفاسدة والشمولية؛ ما زلنا نعاني من الأرث الثقيل الذي تركته لنا تلك الظروف القاهرة التي يفترض أننا تجاوزناها، وتعلمنا من اخفاقاتها وانصرفنا نحو البناء المستقبلي للناس وللبلاد؛ حتى يكون بوسعهم المقارنة بين ماضٍ مظلمٍ وحاضرٍ (أفضل) ومستقبلٍ أكثر إشراقا وسعادة وحبورا.
إلا أن ما نتلمسه لا يمت بصلة لا للوطن ولا للشعب.. فالكل على حد سواء لا يسعى في حال اكتسابه الدرجة القطعية لاستلام السلطة والجلوس على مقاعد الحكم.. إلا ليجد أن من الضرورة القصوى والتي يفترض أن يعيها هي الأكثر أهمية في بناء وتعزيز أوضاعه الشخصية وتحسين احواله المعيشية الأبدية، والبحث عن عيش رغيد في منتصف العمر أو اخره.. فليس هناك من يضمن له البقاء في السلطة، وعليه أن يعمل على كسب المغانم وإحاطة نفسه بها.. فليس هناك من أحد أفضل من الآخر.. والساحة تتسع للكثير من الكسب العام والمال الحلال والحرام على حد
سواء.
هذا واقع لا يمكن لأحد نكرانه.. ولا التغافل عنه أبدا.. فلم يعد هناك من أحد يصدق هذه الديماغوغية، التي تتملق الناس وتعدهم بالشمس لتكون في اكفهم.. بينما هي لون آخر ووجه اخر من العملة ذاتها، ولكن بوجه صقيل وملمس ناعم.
لذلك لم يعد المواطن يثق بالكلام الموعود ولا المنجز المرسوم على الورق ولا نثر الازهار في عيون الناس.
الجميع بات يدرك أن كل ما هم عليه ليس مصدر ثقة ولا مصدر تفاؤل، وإنما مصدر استسلام لواقع فاسد يراد تثبيت اركانه إلى الأبد، فهل نعد التغيير حلما مستحيلا بعد أن خيّب الاصلاح ما يصلح وما لا يصلح.. وأصبح العجز ديدن كل شيء، أم نبدأ العمل بالصرامة والصراحة معا في مخاطبة الناس وجعلهم أمام حقائق الواقع الذي يعيشونه اليوم..؟
واذا ما عرف الشعب مصداقية هذا الخطاب، فأنه سيفهم بالتأكيد أن التغيير قادم لا محال، وأن عيون التفاؤل مفتوحة إلى الغد، لأن الحقيقة مبصرة دائما.
إذاً.. لا جدوى من الديماغوغية المخادعة التي يبتز بها عدد كبير من السياسيين الناس، نحن بنا حاجة إلى دليل عملي يدرك أن للشعب حقوقا، لا بد أن تؤخذ من خصومها، كما ان على هذا الشعب أن يعي أن الدولة مهمتها تكمن في خدمة الناس، وأن السلطة أي سلطة، لا بد أن تخضع لارادة الناس فهم وحدهم يمتلكون الحق في ارادة وادارة الحياة الآمنة والسعيدة.