فارس حامد عبد الكريم
لحرية الرأي والتعبير قيمة اجتماعية عليا باعتبارها من مصادر الإبداع وتنمية الخيال الأدبي، بما تعطيه من الأمل والثقة في قيام نظام اجتماعي يحترم الضميره الأدبي للفرد، ولا يفسح المجال لنمو النفاق والعلاقات المزيفة، التي تجد ضالتها في عهود الظلام وكبت الحريات، ويعبر الشاعر بيرم التونسي عن ذلك بالقول: (بقدر ما يخفت صوت الناقد يرتفع صوت الدجال).
وحسب المحكمة الدستورية المصرية (أراد الدستور بضمان حرية التعبير أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة..، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام، فلا تكون معاييرها مرجعاً لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقاً دون تدفقها).
وحق النقد هو: تقييم تصرف قولي أو فعلي، ايجاباً أو سلباً، بهدف المصلحة العامة دون قصد المساس بشخص صاحبه.
التمييز بين حق النقد وجريمتي القذف والسب: والقذف هو: إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية، من شأنها لو صحت ان توجب عقاب من أسندت اليه أو احتقاره عند أهل وطنه.
اما السب فهو: رمي الغير بما يخدش شرفه أو اعتباره أو يجرح شعوره وان لم يتضمن ذلك اسناد واقعة معينة.
وحسب القضاء المصري: (للصحافة الحرية في نقد التصرفات الحكومية وإظهار قرائها على ما يقع من الخطأ في سير المضطلعين بأعباء الأمر وإبداء رأيها في كل ما يلابس الأحوال العامة).
شروط حق النقد:
1ـ أن ينال النقد أعمال وتصرفات الاشخاص العامة لا شرفهم الشخصي: اذا تناول النقد عملاً حكومياً، وكان منصباً على الأعمال والإجراءات وعيوبها دون مساس بشرف الاشخاص، ولو ذكرت أسماؤهم فلا جريمة،كالقول إن أداء الوزير الفلاني ضعيف ووزارته فاسدة وانتشار الرشوة فيها ويجب إقالته.
أما اذا انصب النقد على وقائع تعد لو كانت صحيحة جرائم قانوناً، فيجب التحرز من ذكر الأسماء فقد تتحقق جريمة القذف.
2ـ حسب قواعد القصد الجنائي ان تكون الواقعة صحيحة أو الاعتقاد بصحتها:
حتى لو تبين في ما بعد أنها غير صحيحة بشرط ان يكون الاعتقاد مبنيا على مبررات معقولة ومستنداً إلى التحري الواجب، كالاستناد إلى شهرة الواقعة في وسائل الإعلام.
ذلك أنه لا يمكن ان يطلب من باحث أن يضمن بالمطلق صحة ما يذكر لان ذلك غير ممكن في الحياة العملية في كل الأحوال.
3ـ ان تكون للواقعة محل النقد أهمية اجتماعية لاتمس الحياة الخاصة: كتناول أعمال أصحاب المهن بالنقد كالأطباء والمحامين والتجار... لا شخوصهم.
4 - لا يجوز التعسف في استعمال حق النقد؛ لأن النقد من أعمال الثقافة والتحضر لا وسيلة للانتقام.
5ـ توافر حسن نية الناقد:
وحسن النية مفترض ابتداءً. أي أن يعتقد الناقد بصحة الواقعة التي يسندها إلى من وجه إليه الانتقاد. ومن قرائن سوء النية حصول تهديد وابتزاز من الصحفي للمجني عليه قبل نشر المقال.
ومن الثابت أن مجرد نشر أخبار كاذبة لا يعد جريمة ما لم يتحقق العلم والإرادة، أي علم الناشر انه ينشر إخباراً كاذباً واتجاه إرادته الحرة للقيام بذلك، فان تبين انه غير عالم بكذب الإخبار فلا جريمة.
وتستند علة إباحة النقد إلى مبدأ (رجحان الحق) أي الموازنة بين (علة الإباحة) و(علة التجريم)، وعلة التجريم هي حماية حق، وجد المشرّع أنه جدير بالحماية كحماية الحق في حرية التعبير والمعاقبة على جريمة القذف، فإذا شكل السلوك اعتداء على حق، ولكنه في الوقت نفسه يصون حقاً أجدر بالرعاية من الحق الذي أهدر فإنَّ علة الإباحة ترجح على علة التجريم.
وحسب المادة (38) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005: حرية التعبير عن الرأي بكل وسائل الإعلام وحق النقد والبحث العلمي والأدبي وأية حرية تعترف بها المواثيق الدولية، بشرط عدم مخالفتها للنظام العام والآداب.
ونصت المادة (41) عقوبات عراقي على؛ (لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون..) والمادة (5 / ف2) من قانون حقوق الصحفيين فأنه " للصحفي حق التعقيب في ما يراه مناسباً لإيضاح رأيه، بغض النظر عن إختلاف الرأي والاجتهادات الفكرية، وفي حدود احترام القانون".
النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الاتحادية