علي لفتة سعيد
ثمة فلسفة لكلّ شيء، مثلما لكلّ شيء قدر ومقدر ومهمة ورعاية وأمل.. فالأمل فلسفة مثلما يحتاج الأمل ذاته إلى انتظار لتحقيقه. ولأن الحالتين مترابطتان فإن الأمل في التحصيل النهائي هو غاية ما يتمنّاه المرء, وهو أمر مرتبط بالذات التي تتوق إلى تحقيق الأمل.. ولهذا فإن الانتظار يعني المطاولة مثلما يعني التمعّن مثلما يعني الاستقراء.
ولكن السؤال.. يحتاج البشر إلى انتظار أمر ما؟ وهل الحياة تشبه النصوص الأدبية التي تناولت الانتظار من عدّة مفاهيم وزوايا أفكار وغايات؟ نعم الإنسان بحاجة إلى انتظار أي شيء من أجل التركيز المفاهيمي ومن أجل التمعّن في الحياة والتأمّل كذلك.. فحين يتأمّل ذاته يتأمّل الخالق. وحين يتأمّل الخالق يحتاج إلى فلسفة وفهم عميق لما يدور حوله في هذه الدنيا مثلما يدور في الحياة حوله.
إن الإنسان مجبول على فهم الطبيعة، ومن خلالها يحتاج إلى التأمّل في كلّ شيء يخطر على باله. ولكن كل شيء يصطدم بأن الأمل ليس له حدود.. فكلّ أملٍ يتحقّق يبدأ أمل جديد بالظهور وهكذا سلسلة متلاحقة من الآمال المتراكمة لإن الطموح ليس له حدود.. ولهذا فحتى يقف الطموح عند حدودٍ معينة، فإن الأمر مناطٌ بوجود شيء في النهاية، وهو ما يعني انتظار الوصول له وإليه.
إن فلسفة الانتظار لا تعني الخوارق والميتافيزيقيات والغيبيات والعرفانيات فحسب، بل تعني الخلاص من تراكم الآمال وما يرافقها من تفكير بالوجود. بمعنى وجود الحدّ النهائي للأشياء سواء المخلوقات أم التي تم تخليقها. فالحلم لا ينتهي والأمل متراكم والطموح وسيلة لتحليق الأمل، ولكن الانتظار غاية ليس فقط من أجل الحصول على راحة التفكير، إذا ما تحقّق فحسب، ولكن من أجل أن تبقى الموضوعة في حالة استمرارية.
ومثلما لكلّ شيء مرادفات فإن الكثير لا يعرف فلسفة الانتظار إلّا لكونها تنتمي إلى ما هو غيبي، غير قادر على الدخول في معترك الفهم العام على الاقل دون الدخول إلى عمق المراد وفلسفته.
لأنه العقل لدى البعض وهم كثر لا يتعامل مع الموضوع على أنه تفكير ووعي بقدر ما يتعامل معه على أنه انتماء ومصير. والفرق بين الاثنين، إن الأول ينتظر ليلّبي ما هو مطلوب منه في تراكم الأحداث والأقوال والتحليل سواء في المنطق أو الحدث الفعلي الملموس والمحسوس. والثاني.. يتعامل مع الأمر على أنه جزء من تكوين فكري يقود إلى معنى فلسفي. وما بين الحالتين أو الظاهرتين تكمن القدرة على فهم فلسفة الانتظار، التي كان الحديث عنها قد أصبح كتبا، وهي لا تتجاوز هاتين الظاهرتين في الشرح والتمعّن فيه. حتى لو كان الأمر قد اتخذ معنى الولوج الفلسفي له.. لأن الفلسفة قائمة أساسا على مبدأ السؤال. والسؤال هنا والذي يحتاج وحده إلى فلسفة.. ماذا ننتظر ولماذا ننتظر وكيف ننتظر ولمن ننتظر؟
إن الفلسفة ربما وجدت جوابا لما هو ملموس من الأشياء لكنها تبقى في حالة مراوحة في الإجابة التي هي ليست لواحدة، كون كلّ الأشياء نسبية، لكن على الأقل للوصول إلى تشابه في الإجابات.
إن فلسفة الانتظار مهمة وهي غاية مهمة لجعل الإنسان مرتبطًا بما عنده في هذه الحياة، مثلما مرتبط بالأمل الذي سيكون عليه.. ولذا كانت الأديان جميعها سواء منها السماوية أو الوضعية قد اهتمت بهذه الفلسفة، لأن التعقيدات التي تواجه العقل أكبر من طاقة التحليل نفسها.
ولا حل لها إلّا بوجود منطقة الانتظار لكي يقف عندها الجميع.