الحماية الفكريَّة قبل الحماية الاجتماعيَّة

آراء 2023/03/12
...

 نبيل إبراهيم الزركوشي


في خطوات متسارعة قامت وزارة الداخلية بحملة استهدفت فيها مجموعة من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعية أصحاب المحتوى الهابط كما تسميها الوزارة، الهدف منها هو توفير الحماية الاجتماعية للمواطن من بعض السلوكيات غير الأخلاقية، التي قام هؤلاء النشطاء بالترويج لها ولعل الجدل الذي يحوم حول الموضوع أخذ أشكالاً متعددة، فأصحاب المحتوى يدعون عدم معرفتهم بالنص القانوني الذي يُدين هكذا أفعال، وأن المذكّرات ضدهم جاءت دون سابق انذار، وهو امر يجب ان نقف عليه مبتعدين عن الإجابة الجاهزة على هكذا ادعاء، ألا وهو (قاعدة القانون لا يحمي المغفلين)، ولكن هل يمكن تطبيق قانون مضى على سنّه ما يقرب من الأربعين عاماً على سلوكيات حديثة وتصنيفها أنها غير أخلاقية؟ الأمر الآخر، ماهي الضوابط التي اعتمدها المُشرع في الحكم على هذه السلوكيات، كونها غير أخلاقية، إن هذا الاجراء الحكومي سوف يكون ذا تأثير على تقارير منظمات حقوق الانسان الدولية، والتي لم تنصف العراق طيلة الفترات السابقة، لذا فالعمل على احتواء هؤلاء امر يقع على عاتق المؤسسة الفنية الحكومية، والتي تكاد تكون عديمة الحضور على الساحة الفنية، اذ لم تستطيع خلال الفترات السابقة من انتاج ولو فلم قصير أو مسلسل أو أي عمل فني ترصد فيه الانتهاكات، التي قامت بها الجهات المسلحة ضد المواطنين، بل بالعكس أصبح الفنان العراقي مشرداً، يبحث عن قوته بطرق شتى، واضعاً راسه بين ركبتيه، ولعل اللجوء إلى الانتشار عبر مواقع التواصل أحد الوسائل للحصول على المعيشة، والتي هي من واجبات الدولة حسب ما جاء في الدستور بما نصه توفير الحياة الكريمة للمواطن.

إن فقدان المناهج التربوية التي تعمل على تهذيب الذوق العام وتسمو بالفرد لدرجة لا يمكن ان يقع تحت تأثير مقطع لدقائق معدودة، والامر الأهم الذي يجب ان تنظر اليه الحكومة بعين الجدية، هو أن تعمل على البناء الفكري للإنسان منذ دخوله إلى المدرسة، حتى تجعل منه إنساناً لا يتأثر بسهولة بالأمور التي يعلم الجميع أنها تافهة، ناهيك عن التجربة السابقة والتي كانت الأفكار المتطرفة تغزو المجتمع، ويقع الشاب تحت تأثيرها حتى باتت جزءا أسودَ من تاريخ العراق، الذي لايريد ان يتذكره أي مواطن، لذا وجب على الحكومة الجديدة العمل على تحصين الفرد العراقي من جميع الأفكار التي تهدم القيم الاجتماعية وتوفير ما يحمي الفرد عبر مؤسسة تربوية تبني الانسان الجديد وحصيلة ذلك سيكون البناء الفكري السليم للفرد والحماية الاجتماعية له.