حزبنة الدولة

آراء 2023/03/14
...

 حمزة مصطفى


في دول العالم الديمقراطي تتنافس الأحزاب بهدف الوصول إلى السلطة التي هي الحكومة بالتعريف المتداول.

والهدف هو خدمة المواطن الذي ينتمي إلى دولة لها "على كولة الرصافي" علم ودستور ومجلس أمة". 

هذه هي باختصار معادلة "الحزب ـ السلطة" في الدول الديمقراطية.

الدولة ككيان ومؤسسة ثابتة وبيروقراطية، ولها حدود وشعب وأرض لا دخل لها بالتنافس بين الأحزاب والقوى السياسية وسواها. 

فالدولة تضم جميع الناس بصرف النظر عن انتماءاتهم وخلفياتهم, طيبون أم مجرمون, متدينون أم "عركجية".

الذي ينظم العلاقة بين الدولة والناس عبر متوالية الحكم هو العقد الاجتماعي والدستور وما ينتج عنهما من قوانين. 

 ولأننا اخترنا الديمقراطية سبيلا لتداول السلطة عبر الانتخابات، وفق قاعدة التمثيل النسبي على صعيد المشاركة السياسية فإن ما نلمسه من حيث الممارسة أمر مختلف كثيرا عما هو متداول في الدول الديمقراطية.

على سبيل المثال تجرى في إيطاليا والمانيا وفرنسا وبريطانيا انتخابات دورية. 

لا يهم نظام الحكم في أي دولة من هذه الدول "ملكية, جمهورية, رئاسية أم شبه رئاسية", أو بين الأحزاب السياسية "يمين, يسار" فإن الحكومة هي المستهدفة لا الدولة.

ربما هناك من يسأل.. وهل نحن نختلف عن تلك الدول؟

أليست الحكومات التي تشكلها الأحزاب السياسية، وكلها بطريقة التوافق هي التي تحارب وربما تسقط عبر التظاهرات أو غيرها؟ نعم من حيث الشكل صحيح, لكن الفارق الجوهري بيننا وبين تلك الدول أن التنافس يكون على المنصب، لا على سياقات العمل التي تقوم بها الحكومة التي هي هنا تعمل من أجل الدولة، التي تمثل جميع الناس لا المنتمين إلى الأحزاب السياسية سواء كانت أحزاب موالاة أم معارضة.

لنأخذ مثالًا واحدا من بين الدول التي أشرت اليها وهي بريطانيا.

ففي بريطانيا شاهدنا مسلسل الاستقالات والإقالات، التي جرت خلال شهور على مستوى رؤساء الوزارات (بوريس جونسون, ليزا تريس)، وصولا إلى صعود الهندي (ريشي سوناك).

ولهذا الصعود قصة ترتبط بقوة الدولة ورسوخها إلى الحد، الذي تنافس على رئاسة الحكومة فيها مسلم من أصل عراقي (ناظم الزهاوي الذي أصبح وزيرا ثم استقال) وهندي هندوسي يعبد البقر (سوناك) دون أن يأخذ أحد في بريطانيا عليهما أصلهما وفصلهما.

فالديمقراطية هناك راسخة إلى الحد الذي يصعب خلخلتها ورسوخها، وهذا يأتي من أمرين متلازمين.

الأول قوة الدولة كمؤسسات ثابتة, واحترام الأحزاب للتقاليد بحيث يعرف كل حزب دوره على صعيد العمل الديمقراطي.

بمعنى أكثر دقة فإن أي حزب هناك في بريطانيا أو سواها من الدول الديمقراطية الأخرى يعمل من أجل الدولة لا من أجل نفسه ومحازبيه.

الأحزاب هناك تتنافس لكي تخدم المواطن، وهو ما تمارسه من خلال الشعارات التي ترفعها وتقنع الناس في كسب أصواتها. 

ليس هناك حزب يفكر في حزبنة الدولة، وبالتالي تصبح الدولة أسيرة الأحزاب التي تتنافس على الحكم بحيث تتحول, الدولة والمواطن معا ضحية أي خلاف حتى لو كان على.. موكب مسؤول.