بغداد: نوارة محمد
في واقعنا المتشعب يبدو التنمر مثل مجرم متخفٍ نتوقع أن يخرج إلينا كوجه جديد لصديق أو من أي شخص يعترض طريقنا صباحاً، وحتى يمكن للتنمر أن يظهر من "استكان" الشاي مع فطور الصباح. والحقيقة أننا نتعرض للتنمر في كل لحظة وبأشكال عدة. لا يوجد شيء في حياتنا يخلو من عقدة الهيمنة بما في ذلك الدولة نفسها عندما تضع لنا السيطرات في الشوارع أو تغلق الجسور بلا سبب.
وفقاً لدراسة طبية أميركية أجريت عام 2017 فإن الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر هم الأكثر عُرضة للإصابة بالاكتئاب والمشكلات النفسية. إذ تتحول معها الضحية إلى إنسان صامت ومنعزل، وقد يصل إلى الانتحار، إذ إن عدد ضحايا الانتحار بسبب التنمر في تزايد مستمر ووفقاً لأعداد نشرتها صحيفة "الترا عراق" فإنه في عام 2021 سجلت 772 حالة انتحار، وفقًا لوزارة الداخلية التي أكدت أن "36.6 بالمئة من المنتحرين كانت أعمارهم أقل من 20 عامًا، بينما تشكل نسبة الذكور 55.9 بالمئة، والإناث 44.1 بالمئة. في العالم الإلكتروني يتم يومياً تداول آلاف الصور وترفع ملايين "الهاشتاكات"، وبين هذا وذاك رحلة لن تنتهي مع حفلة الشتائم وأقسى العبارات. وفي عراق تسوده الفوضى فوجئ حارس المنتخب العراقي السابق، نور صبري مؤخراً بتعرضه وابنته لهجمة شرسة فقد عبر من خلال حسابه في "انستغرام" عن سعادته بابنته التي تستعد للالتحاق بكلية الطب وظهر وهو يقف بجوارها. تصدرت الصورة حديث الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي وكان رواد هذه المنصات بارعين بإطلاق الشتائم وعبارات السخرية، ما اضطر الرجل إلى إزالة الصورة والاكتفاء بالصمت.
ومن جانب آخر تلقى صبري وابنته دعماً كبيراً، وعبر آخرون في "تويتر" عن سخطهم واستيائهم مما حدث، واعتمد كثيرون الصورة غلافاً شخصياً لصفحاتهم تضامناً مع الأب وابنته زينب نور صبري.
يقول الدكتور حميد يونس المختص بالطب النفسي "يهدف المتنمر لزعزعة سلام الضحية النفسي، وإلحاق الأذى المتعمد، وتشير التجارب إلى أن الخطر الناتج عن التنمر يمكن أن يؤثر سلباً في الصحة الجسدية لمدة تزيد على 50 عاماً، فمن خلال تحليل البيانات من دراسة زمنية طويلة الأمد استمرت 50 عاماً، لكن الأهم من هذا هل اعتدنا على مواجهة التنمر وسلوكياته بهذه البساطة من دون اتخاذ اجراءات قانونية بحق المتنمر! هذا ما نود معرفته.
القضاء العراقي وبعد محاربته للمحتوى الهابط يتوعد بعقوبات شديدة لرواد التنمر الإلكتروني، وهناك مواد عقابية نصها القانون للقصاص من هذه الأفعال بحسب متخصصين في القانون. إذ يبين المحامي كرار سلمان أن القانون العراقي في طريقه نحو محاربة الابتزاز والتنمر الإلكتروني والتعامل مع هذه الأفعال وفقاً للقانون المرقم 189 لسنة 2020 بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
قضية نور صبري وابنته فتحت الباب لأسئلة كثيرة أهمها أننا كمجتمع نعاني من قلة التهذيب، ولا نتعامل مع الظواهر الحياتية بشكل سوي، والأغرب من هذا أن مجتمعنا رغم التغيرات الحاصلة فيه إلا أن البعض يتعامل بشكل سيئ، والأسباب واضحة تماماً للجميع، ومن المفيد هنا استعارة تعليق من سيدة عراقية تعيش في كندا كتبت في تويتر: "اصلاح البلد لا يبدأ من إعمار المدن وإنما من الإنسان العراقي أولاً، وإذا فسد رأس السمكة تنتن الذيل".