عبد الحليم الرهيمي
قبل أن تحط طائرته في مطار بغداد يوم الثلاثاء الاسبوع الماضي عمد وزير الدفاع الاميركي لويد أوستن إلى أن يكتب في تغريدة له إلى القول (إنه يأتي لإعادة تأكيد الشراكة الستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق، بينما نمضي قدماً نحو عراق أكثر أمناً واستقراراً وسيادة).
هذا الموقف الواضح للهدف الرئيس لزيارته بدد أوستن به كل التكهنات المعاكسة لذلك حول هذه الزيارة، سواء تلك التي تكهنت بأن هدفها جر العراق للاصطفاف مع واشنطن في صراعها المتصاعد مع ايران، أو التكهن بفرض (إملاءات على العراق في قضايا الحوار بينهما على هذا الصعيد أو على صعيد معالجة حل أزمة انخفاض قيمة الدينار العراقي أزاء الدولار الاميركي، أو غيرها من قضايا الحوار المستمر بين بغداد وواشنطن، هذه الزيارة التي وصفت بالمفاجئة بالنسبة للإعلام وجهات أخرى، أراد البعض استغلال ذلك باعتباره مسًّا للسيادة العراقية، وهو الامر الذي دعا الوزير الاميركي إلى التأكيد في المؤتمر الصحفي، الذي عقده لحظة وصوله إلى مطار بغداد إلى إبلاغ الحاضرين بأن زيارته هذه التي لم تكن معلنة، إنما كانت بدعوة من الحكومة
العراقية.
وحتى لا يكون هذا التأكيد الاميركي عرضة للتشكيك عمد المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية السيد باسم العوادي إلى التأكيد في تصريح رسمي على (أن زيارة وزير الدفاع الاميركي إنما تمت بعلم الحكومة العراقية وموافقتها).
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده في مطار بغداد أكد الوزير الاميركي أن أحد الأسباب الرئيسية ومحور زيارته ولقاءاته المتوقعة من رئيس الحكومة السيد محمد السوداني ومع وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي (هو مناقشة مهام القضاء على بقايا تنظيم داعش الارهابي)، هذا الإعلان المبكر للوزير الاميركي للأهداف الرئيسية لزيارته بغداد، قد حددت فحوى أجندة اللقاءات التي تمت بينه وبين المسؤولين العراقيين، والتي أكد رئيس مجلس الوزراء العراقي في نهايتها طبقاً لمكتبه الاعلامي، أنه تمَّ خلال اللقاء مع أوستن، استعراض التعاون المشترك بين العراق والولايات المتحدة وأداء القوات الامنية العراقية في مكافحة الارهاب وملاحقة عصابات داعش، كما أكد (حرص الحكومة على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، وتوطيدها على مختلف المستويات والصعد)، هذا فضلاً عن تأكيده بأن نهج الحكومة هو (اتباع علاقات متوازنة مع المحيط الاقليمي والدولي تستند إلى المصالح المشتركة واحترام السيادة).
أما وزير الدفاع الاميركي اوستن فقد أكد بعد لقاءاته مع المسؤولين العراقيين (التزام الولايات المتحدة بدعم استقرار العراق والتطلع إلى ترسيخ العلاقات بين البلدين وتنمية شراكاتهما في مختلف المجالات).
هكذا يتوضح بشكل جلي أهداف الوزير الأميركي المتقاربة مع اهداف رئيس الحكومة العراقية، وهي تأكيد المؤكد بتطوير وترسيخ التعاون بين الولايات المتحدة والعراق من خلال تعزيز وتوطيد العلاقات والصداقات القائمة أصلاً، ومن خلال توسيع مواجهة داعش ومحاربتها، فضلاً عن تعزيز وتطوير القوات المسلحة العراقية، من خلال التدريب المتواصل وتقديم الاستشارة التي يتطلبها ذلك التطوير.
وخلال المباحثات بين الوزير الاميركي والمسؤولين العراقي أشير إلى سقف هذه العلاقات، إنما يقوم على أساس (تفعيل اتفاقية الاطار الستراتيجي)، الموقعة بين الجانبين العراقي والاميركي عام 2008).
وازاء هذا التطور الراهن والمستقبلي بين العراق والولايات المتحدة يطرح كثيرون السؤال التالي، وهو هل يمكن للأهداف التي يسعى البلدان لتحقيقها في ظل حكومة انبثقت عن (الاطار التنسيقي)، الذي يضم تيارات وجماعات سياسية معادية للولايات المتحدة ؟
بالطبع أن الجواب على ذلك يأتي من كون الولايات المتحدة كدولة كبرى ولها تواجد واسع في العراق واتفاقات سياسية وأمنية لا يمكنها أن ترهن علاقاتها مع العراق بحكومة وسلطة تنفيذية تحدد هي مواصفاتها وشكلها، وهو أمر غير ممكن، انما تتصرف مع أي حكومة عراقية بواقعية وبراغماتية جلية، كما تصرفت مع الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003، فإذا توفر الانسجام والتفاهم بين قيادتي البلدين سيكون ذلك لمصلحتهما ومصلحة شعبيهما، اما اذا لم يتحقق التفاهم والانسجام المطلوب، يسعى الطرفان لإيجاد عوامل مشتركة تحدد – اقله – طبيعة التعاون بينهما.
وما تقوم به الولايات المتحدة الآن من حوار وتفاهم مع حكومة السوداني والتي تقوم من جهتها في البحث عن المحاور والعوامل المشتركة من خلال الحوار، والصراع والحوار وبالعكس، وصولاً للصيغ التي توفر عناصر التفاهم والعمل المشترك، وهو ما يسعى لتحقيقه كل من العراق والولايات المتحدة في ظل التعقيدات والتباينات بوجهات النظر في بعض القضايا.. تلك هي اهداف وابعاد الحوار المتواصل بين قيادتي البلدين كما هو حاصل الان، وتمثل زيارة لويد اوستين أحد تعبيرات هذا الحوار بين البلدين.