المقعد الصناعي في الناتج الاجمالي

اقتصادية 2019/04/13
...

 
عبدالزهرة محمد الهنداوي
 
لا تنفك وزارة الصناعة والمعادن، بوصفها الجهة القطاعية المعنية بالقطاع الصناعي، عن اعلان تبرمها وانزعاجها الدائم من مؤسسات الدولة الاخرى التي تدير لانتاجها ظهرها، عندما تقوم تلك المؤسسات بتوفير احتياجاتها من السلع والأجهزة عن طريق الاستيراد الخارجي.
وتؤكد وزارة الصناعة، انها باتت لديها امكانات صناعية جيدة، استطاعت من خلالها اعادة الروح إلى الكثير من المصانع والشركات الوطنية التي يمكنها ان تغطي جزءاً من الحاجة المحلية لبعض السلع والمنتجات.
وعندما يُوجه مثل هذا التساؤل إلى العازفين عن شراء المنتج الوطني، قد تأتي الاجابة هلامية الابعاد غير واضحة المعالم، فهناك من يقول، ان الجودة والنوعية غير متوفرة في هذه المنتجات، وآخر يقول  اننا نسمع جعجعة من دون أن نرى طحيناً!، وثالث يعلل عزوفه، بأن شركات وزارة الصناعة هي الاخرى تلجأ إلى الاستيراد لتلبية طلبات الجهات الاخرى، وبالتالي يصبح السعر مضاعفاً.
وفي خضم هذه التقاطعات في التبريرات والإجابات ، لاشك ان ثمة اشكالاً هنا او حلقة مفقودة هناك، اذ من المؤكد والمعلوم ان الكثير من شركات ومصانع وزارة الصناعة باتت تعمل وتنتج العديد من المنتجات، التي يمكن ان تلبي جانباً من الحاجة المحلية، وقد بتنا نشاهد مثل هذه المنتجات في الاسواق المحلية، ومنها الالبان والعصائر وبعض المنتجات الغذائية، فضلاً عن الصناعات البلاستيكية والأجهزة الالكترونية، وكذلك صناعة الاسمنت بجناحيها العام والخاص، وهذه الاخيرة سدت الحاجة المحلية بالكامل ، ولم يعد العراق بحاجة إلى استيراد الاسمنت بكل انواعه ومنذ عدة 
سنوات . 
اذن ، اين تكمن المشكلة؟هل فعلاً ان مؤسسات الدولة تقلب ظهر المُجن لوزارة الصناعة، في الوقت الذي تحتاج فيه هذه الوزارة كل انواع الدعم لتمكين القطاع الصناعي من ان يتبوأ دوره الحقيقي في تكوين الناتج المحلي الاجمالي ، بعد ان تراجع هذا الدور إلى ادنى مستوياته خلال العقود الثلاثة الاخيرة؟ وهل نحن بحاجة إلى تشريعات وقوانين تلزم الجميع بشراء احتياجاتهم من وزارة 
الصناعة؟.
فيما يخص التشريعات والقوانين ، اعتقد ان لدينا ما يكفي منها ، لو جرى تطبيقها بحذافيرها ، فقد نشهد مشهداً صناعياً مختلفاً ، ولعل قانون الموازنة لسنة 2019 حمل من المواد ما يمثل دعماً حقيقياً للصناعة الوطنية، فقد الزمت المادة 24 من القانون مؤسسات الدولة كافة بشراء احتياجاتها من منتجات الوزارات الاتحادية ، مشترطة بان لا تقل نسبة القيمة المضافة إلى قيمة الانتاج للمنتجات المصنعة عن 20 بالمئة ولا تزيد اسعارها عن 10 بالمئة على نظيراتها المستوردة، مع مراعاة الجودة والنوعية.. فيما اعفت المادة 43 من قانون الموازنة شركات القطاع العام الانتاجية من دفع الرسوم الجمركية للمواد الاولية او المكونات المستوردة التي تسهم في  خلق قيمة مضافة، وألزمت المادة 60/ اولا مجلس الوزراء بمنع استيراد منتجات الصناعات الغذائية التي تشمل المرطبات والعصائر، والتمور والفواكه والخضر  التي لها منتج محلي  مماثل يغطي  احتياجات السوق المحلية  بحسب “الروزنامة” الزراعية ، هذا فضلاً عن القرارات والتعليمات الصادرة سابقاً ومنها قانون حماية المنتج وحماية المستهلك والتعرفة الجمركية ، وقرارات لجنة الشؤون الاقتصادية بهذا 
الشأن .
فهل من المعقول اننا ومع وجود هذه الشبكة من القوانين النافذة الصارمة، نبقى نتحدث عن حالة من العزوف او عدم الاهتمام من قبل مؤسسات الدولة بما يُنتج محلياً، لتذهب إلى استيراد احتياجاتها من الخارج ؟.
اعتقد، ان الامر بحاجة إلى مراجعة للوقوف على حيثيات القضية ، والبداية تكون من واقع وزارة الصناعة ، وما حجم المساحة التي يمكنها ان تغطيها من الطلب المحلي ، خصوصاً بعد ان اعلنت وزارة التخطيط انها اعدت دليلاً سنوياً يتضمن المنتجات المحلية وأسماء الشركات المنتجة، وتم توزيع هذا الدليل على جميع مؤسسات الدولة، لكي تلتزم به، وعلى جميع الشركات الصناعية  تحديث بياناتها بنحو دائم في هذا الدليل ، وبعد ذلك يجب ان تكون هناك متابعة دقيقة من قبل مجلس الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارة التخطيط وكذلك اللجان النيابية المعنية للوقوف على العقبات والمشاكل التي تواجه هذا البرنامج.
 ومساءلة الجهات التي لا تلتزم به ، على وفق الشروط التي حُددت في القوانين النافذة، وفي مقدمتها، على جميع مؤسسات الدولة  وعند حاجتها لشراء اي منتج ، مفاتحة وزارة الصناعة لمعرفة، فيما اذا كان هذا المنتج متوفراً ام لا، فان كانت الاجابة لا، عند ذاك يمكنها ان تلجأ إلى الاستيراد، كما ان الامر يتطلب من وزارة الصناعة البت في تلك الطلبات بنحو سريع، اذ تشكو بعض الوزارات من بطء وتأخر اجراءات هذه الوزارة في الرد على الطلبات، الامر الذي يؤدي إلى احداث خلل في تأمين تلك 
المتطلبات.