نرمين المفتي
مهما كان الاختلاف على فكر المتصوف الكبير جلال الدين الرومي ومقولاته وأشعاره، فإنه يبقى مثار اعجاب لمن يقرأه.. شخصيا، كلما اقرأ له أحلق بعيدة عن الواقع اللئيم، الذي يشعرني بأنني بجناح واحدة وممنوعة من التحليق بتاتا. قبل أيام وفي خضم الوجع الذي لا يقبل أن يغادرنا، جذبتني مقولة، يقول فيها «ليلتان لا انامهما، ليلة لست بها وليلة انت بها، النوم فيها حرام».. ونشرتها على جداري في الفيسبوك تحت عنوان « فاصل رقة ونواصل الوجع «.. وجاءت تعليقات من اصدقاء وصديقات أصبحوا لا ينامون بسبب الوضع الذي نمر به، وغالبية المعلقين/ المعلقات لم يلاحظوا كلمة (رقة) واكتفوا بقراءة كلمة (الوجع)، وكانت التعليقات تشير إلى الحيرة والتعب والأرق القلق بانتظار غدٍ دائما يأتي بأمور غير متوقعة، أو ربما متوقعة ونخشى التفكير بها. وحين طلبت منهم الانتباه إلى كلمة (رقة)، بدأت التعليقات تقول بأن الواقع غير الطبيعي جعلهم ألا ينتبهوا إلى كلمات مثل رقة او محبة.. وبالتالي فإن ليلتي الرومي الممتلئتان، أما أرقا بسبب ترقب لذيذ أو سهرا بسبب اللقاء، لا معنى لهما في الواقع العراقي..
مرغمون تمت مصادرة أيامنا، بلياليها ونهاراتها.. كتبت مرة مكابرة بأننا العراقيين محظوظون بالوجع الذي يجعلنا نشعر بأننا نعيش، لأن الرفاهية وبضمنها الأمان، يجعل اليوم، مرة اخرى بليله ونهاره، يمرُّ بسرعة دون أي تعب أو وجع، وبالتالي لا يشعر المرء أنه عاش! لكن استمرار الوضع ليس كما هو إنما من سيئ إلى أسوأ وأثر من الأسوأ، جعلني أسأم من الإحساس بالحياة، وبدأت أفكر بحملة لنشر المحبة تبدأ بثقافتي الاعتراف بالخطأ والاعتذار. الاعتراف بالخطأ جرأة تحسب لصاحبها والاعتذار شجاعة فارس، لكن التربية الخاطئة للبعض جعلت منهما جبنا وتراجعا.. لنعلم صغارنا، إن تعبنا من محاولات تعليم الكبار والفاسدين خاصة. تمنيت مرارا أن تكون لدينا دورات تعليمية، لكل من يتعين في القطاع العام لتعريفهم على (أخلاقيات العمل)، وأن يكون في جميع مناهج اقسام الكليات، الانسانية والعلمية، درسا أساسيا اسمه (أخلاقيات المهنة)، فالذي يتعرف على أخلاقيات المهنة والعمل، قد يتراجع عن الفساد المالي والاداري والحاق الاذى بالاخرين ويبتعد عن التصرفات التي قد توصمه بالمنافق وصاحب الوجهين. ولأن هذه الأمنية استمرت أمنية لا غير، واذ تابعت حوارا عن اعادة درس الاخلاق إلى المناهج الدراسية، وهذا خبر جيد على أن يبدأ الدرس بسيطا في المرحلة الابتدائية، سواء من خلال درس اسمه (الاخلاقية)، أو من خلال مناهج اللغة العربية والدين والاجتماعيات تركز على القيم الانسانية، وتكون عاملا مساعدا للابوين في تربية الصغار..
المجتمع العراقي بحاجة إلى تعديل ميزان قيمه الذي أثرت فيه الحروب والحصار والاحتلال والفوضى والمحاصصة والفساد، بحاجة إلى التسامح الفعلي وليس تسامح المؤتمرات وتوقيع مواثيق تُنسى فورا مع مغادرة القاعة، واولى دعائم التسامح في الاعتراف بالخطأ والاعتذار. العراق بحاجة إلى أجيال جديدة مؤمنة بأن المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة، وأن الفساد جريمة مخلة بالشرف وأن الشرف ليس مصطلحا او تصرفا خاصة بالمرأة اجتماعيا فقط. أجيال مسلحة بثقافتي الاعتراف بالخطأ والاعتذار، وإلا فإن هذا الوضع اللئيم سيستمر وسيصادر فرحة صغارنا ايضا بعد أن صادرت أحلامنا. ولا ننسى أن آثار الحروب دائما (ربح) لأمراء الحرب، الذين يستغلونها جيدا وطبقة الأثرياء الجدد، التي تضرب كل ما تبقت من قيم بعرض الحائط نموذج صارخ لهؤلاء (الأمراء)، وبينهم من إن لم يكتف بحرق الأسواق والمتاجرة بقوت الفقير، بل امتد نشاطه لشراء سياسيي الصدفة الذين يستمرون، بسبب سياسة المحاصصة المقيتة وبعضهم أسس فضائيات لا عمل لها سوى تضليل الرأي العام العراقي، وجعله يعيش الرعب على مدار الساعة.. لنحاول أن نستعيد أيامنا بلياليها ونهاراتها، لن يساعدنا الآخرون، أنها مهمتنا
نحن.