حسن الصرّاف
قرأتُ أنَّ مكتب رئيس الوزراء أوعز بموجب «إعمامٍ ثقافيّ» إلى مديريات التربية في عموم العراق بأن تخصص كلمة الاحتفال في يوم الخميس (16 آذار) في جميع المدارس لمئوية الشاعرة العراقية نازك الملائكة، ودَورها في الثقافة العراقيّة والعربيّة.
قد تبدو هذه أول مرّة تعنى فيه أعلى سلطة في البلد بإعمام كتابٍ رسميّ يعنى بشأن تربويّ وثقافي يخصّ الناشئةَ والأطفال والبراعم في المدارس.
وإذا كانت هذه أول مرة فعلاً فإنّها خطوة كبيرة ورائعة يُشكَر عليها صاحبها والساعي إليها.
وإذا نُفّذَ الإعمامُ الوزاريُّ فعلاً في يوم الخميس في أرجاء العراق سنكون قد وضعنا خطوة ممنهجة- كانت صغيرة- نحو تفعيل كثير من النشاطات اللاصفيّة والفعّاليات التربوية المغيَّبة والمنسيّة في مراحل التعليم الأساسيّ.
قد يبتهج الشعراءُ والكتّاب والمثقفون، ولهم الحقّ في أن يبتهجوا لهذه المبادرة الطيّبة في عصر تفشّي التفاهة؛ ولكنَّ هذه البهجة الصغيرة التي أتحدّث عنها ليست لمجرّد استذكار أديبة عراقية بارزة في العالَم العربيّ، بل إنَّ ما يدعو لِلابتهاج والتفاؤل هو أنَّ صاحب القرار في أعلى سلطة في البلاد قد عنى بجزئيةٍ صغيرة جدّاً في المدارس، وهي الاحتفال الصباحيّ في يوم الخميس.
ومَن يعنى بجزئيةٍ صغيرة كالمراسيم الصباحية في المدارس يجب أن نترقّب منه المزيد، لِيضع خطوات أخرى لِرسم سياسات عامّة ناجعة لمعالجة أزمة المناهج الدراسيّة والكتب المدرسية، وكذلك تفعيل النشاطات اللاصفيّة النافعة لِصقل المواهب واستكشافها بين التلاميذ.
الشأن التربويّ والتعليمي في العراق لا بدّ مِن إدخاله في ماكنةٍ «بيروقراطية» تعمل على وفق رؤية وطنيّة وسياسات عامّة مرسومة بإتقان.
إرسال المخاطبات الرسميّة لإحياء ذكرى نازك الملائكة في المدارس لا بدَّ من أن تتبعها مخاطبات رسمية أخرى صادرة من أعلى السلطات لمعالجة الواقع التعليمي والتربويّ، ولَعلّ ذلك يبدأ بخطوات يسيرة مثل هذا الإعمام، كإقامة مسابقة وطنيّة على مستوى المدارس في مجال كتابة الشعر والقصّة، ومسابقة أخرى لِطلاب الثانويات لصناعة المحتوى الثقافي النافع في التواصل الاجتماعي، ومسابقة لِلموهبين والمتميزين في العلوم الصرفة كالرياضيات والفيزياء، وإرسال المتفوقين والمتميزين في المدارس والثانويات إلى سفرات استكشافية وعِلميّة إلى البلدان المتقدّمة في النظام التعليمي.
قد لا تحتاج مثل هذه الخطوات سوى إرادة وطنية وقرار حكوميّ واستقطاب ثلّة مِن المتخصصين والتربويين لِلإشراف على تنفيذ هذه الأفكار، والأهم من كلّ ذلك الاعتناء بمفهوم «السياسة العامة» والاستعانة بمتخصصي رسم السياسات الحقيقيين في اتخاذ أيّ قرار حكوميّ.