بغداد.. نقطة البداية

الصفحة الاخيرة 2023/03/18
...

جواد علي كسار

من باب التكرار المفيد بأن نعيد التذكير بتجارب ثلاث لعاصمتين ومدينة كبرى، اجتمعت على عنصر واحد في نهضتها وتقدّمها. فقد كانت الخدمات البلدية هي سلّم العاصمة الماليزية كوالالمبور للرقي والتحوّل إلى واحدة من أبرز عواصم شرق آسيا بل آسيا برمّتها، تلتها في الطريق نفسه مدينة اسلامبول أعظم مدن تركيا وعاصمتها التاريخية والاقتصادية، قبل أن تلتحق بالتجربتين العاصمة الإيرانية الجميلة طهران، وثمّ الآن تجربة مهمّة على الطريق مع جدّة عروس البحر الأحمر، وأهمّ الموانئ السعودية.

الخدمات البلدية في هذه التجارب الأربع (وثمّ غيرها كثير) هي قاعدة الانطلاق وحجر الزاوية، ليس في تقدّم هذه المدن وحدها، بل في نهضة البلدان التي تنتمي إليها.

يذكر مهاتير محمد مهندس النهضة الماليزية أنه كان يشعر بالألم   حيث هشاشة العمران وتخلف الطرق وغياب النظافة والرثاثة الشعبية في الأسواق وشوارع العاصمة، وعندما درس مشكلة كوالالمبور وجد أن البلدية هي سرّ التخلّف، وهي أيضاً مفتاح التقدّم. مع بداية تسنّمه رئاسة الوزراء عام 1981م، أرسل إلى مسؤول بلدية كولالمبور وخيّره بين الإقالة أو قيادة التحوّل، فاختار الاستقالة وأخذ مهاتير بزمام الأمور، فكانت الخدمات البلدية هي بداية نهضة العاصمة ومن ورائها نهضة ماليزيا برمّتها، إذ قلّص من موافقات البناء، ورتّب الإنارة في شوارع العاصمة، ونظّم الأسواق الشعبية، وأولى عناية كبيرة بالنظافة، قبل أن يتحوّل إلى إحداث نقلة في الطرق والمواصلات، على ما يذكر ذلك تفصيلاً في كتابه الألفي الشهير: «طبيب في رئاسة الوزراء».

اليوم وبعد عقدين من التغيير لا مناص من أن تنطلق بغداد، ولا خيار أمامها إلا تغيير الوضع المزري الحالي، ونقطة البداية وأصلب حجر لرقيّها وتقدّمها، هي الخدمات البلدية.

الخدمات البلدية تعني خريطة عمل جديدة لنظافة العاصمة، وهندستها المدينية، وضبط عمرانها ووضع حدّ للعشوائية في البناء، والعناية البالغة بالمتنزهات والمناطق الخضراء، والقضاء على التشويه المعيب في أسلاك الكهرباء، ومعالجة المياه، والحلّ الجذري غير الترقيعي للنقل عبر خطوة عاجلة تتمثل بإعادة أسطول النقل العام عبر الباصات لكلّ بغداد، والشروع الفوري بالخط الأول للمترو، إلى غير ذلك مما يتصل بأمانة العاصمة وخدمة البلديات.

المهمّ في ذلك كله وكخطوة أولى، القضاء الفوري على ظاهرة أبدع ريبورتاج صحيفة الصباح (الاثنين 13 آذار) في وصفها، وهي ظاهرة بيع الخدمات العامة المدفوع ثمنها مسبقاً من قِبل الدولة، إذ من غير المعقول أن يدفع المواطن الثمن مجدّداً، كما هو حاصل في بعض مرافق الصحة والكهرباء وخدمات جمع النفايات وغيرها كثير!