د.حامد رحيم
شغل سعر الصرف مكانة مرموقة في الاقتصاد الوطني نتيجة لثلاثة عوامل، الأول هو عمق الاختلال الهيكلي في النشاط الاقتصادي يتمثل بالضعف الشديد جداً في متغير (العمق المالي)، الذي يمثل منظومة المؤسسات المالية العاملة في الاقتصاد، وقدرتها على تحويل الموارد المالية المتاحة في الاقتصاد إلى أصول اقتصادية مدرة للدخل،ما انعكس سلباً على فاعلية متغيرات مهمة، منها سعر الفائدة مثبتاً اسميا والخمول الكبير في السياسة الائتمانية، التي لم تتجاوز (5 %) من الناتج المحلي الاجمالي، ناهيك عن ظهور الجزء الاكبر من النقد المصدر من البنك المركزي بيد الجمهور
فقد بلغت نسبته اكثر من (88 %) معدل، والمتبقي منه اقل من (12 %) لدى الجهاز المصرفي، بالاضافة إلى حجم التداولات المتواضعة في سوق الأوراق المالية، ما اجبر البنك المركزي على اتخاذ سعر الصرف مثبتاً اسميا للسيطرة على التضخم، اما العامل الثاني فتمثل بالاعتماد الكبير على السلع والخدمات الاجنبية لتلبية الطلب الداخلي، نتيجة للاختلال الكبير في الجهاز الانتاجي الوطني، أما العامل الثالث فهو (سياسي)، يتمثل باستخدام هذا المتغير في المزايدات السياسية والخطاب الانتخابي وتسويق عملية (استسهال) تغييره، لصناعة بريق سياسي للجماعات المتصارعة على الحكم في العراق.
أصبح لسعر الصرف منذ شهر تشرين الاول عام 2003 سوقان الأولى هي السوق الرسمية عبر ما يسوقها البنك المركزي في نافذة بيع العمل من قيمة لها مثلت سعر الدولة والذي حدد وفقا لمعادلة قرار البنك المركزي، بالتنسيق العالي مع الحكومة، وصار البنك عبر عمليات السوق المفتوحة (O.M.O) يسوّق الدولار ويدافع عن قيمته بما يمتلكه من احتياطيات.
اما السوق الثانية وهي (السوق الموازية)، التي تتغذى عبر النافذة ايضا بفرق سعري يتقلب بنسبة تقترب من (2%) تقريبا، وتمثل مدخلاته ما تسوقه النافذة من حصص للمصارف والصيرفات الرسمية، تتحدد نسبها وفقا لتصنيف تلك المؤسسات، وتلبي هذه السوق الطلب على الدولار لاغراض داخلية في أغلبها، مثل السفر والادخارات الدولارية وبعض التعاملات مثل شراء السيارات، ناهيك عن لجوء بعض التجار الصغار لهذه السوق ايضا لتلبية متطلبات استيراداتهم.
وبعد الأحداث الاخيرة المتمثلة بحوكمة اجراءات النافذة واخضاع العراق لمعايير المنظومة المالية الدولية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية لمكافحة ظاهرة التهريب وغسيل الاموال، وما رافق ذلك من ارتفاع سعر الصرف في السوق الثانية (الموازية) بنسب كبيرة، ظهرت لنا سوق (ثالثة) ولأول مرة متمثلة بالسوق السوداء (Black Market)، فصار لدينا ثلاث مجموعات للصرف، مثلت ثلاث أسواق، فالأول وهي الرسمية، ولها عدة قيم، وهي (سعر الاعتمادات 1305 دنانير للدولار الواحد والحوالات 1310 دنانير للدولار الواحد و1310 ايضا للبيع النقدي)، اما السوق الثانية فمثل تدخل المصارف ببيع الدولار للجمهور لاغراض السفر، وبلغت قيمة سعر الصرف (1320 دينارا للدولار الواحد)، وصار هذه السوق تمثل السوق (الموازية)، ليظهر لدينا متغير جديد الا وهو السوق السوداء المشار إليها آنفا، يمثل سعرا اعلى من كل القيم المشار إليها، حيث بلغت قيم الاسعار متراوحة بين ( 1500 إلى 1600 دينار لكل دولار واحد)، وتتمثل مدخلاتها أيضا من نتائج بيع النافذة إلى حد ما، بالاضافة إلى السوق الموازية المتمثلة بييع الدولار لغرض السفر، وهذا النوع من الاسواق مخالفة للقانون، لكن الغريب في الامر هناك (تواطؤ) غريب، وغير مفسر من قبل البنك المركزي عبر (المبالغة) في تحديد قيمة المبيعات المسموح بها من قبل المصارف لأغراض السفر، عبر تحديد حصة شهرية بلغت (7000) دولار للفرد المسافر، ما يثير شكوكا حول تلك العملية، برغم إدعاء واضعي تلك السياسية إلى أن الهدف هو تخفيض قيمة سعر الصرف ضمن الصنف العالي المشار اليه، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك، فكلما زادت المبيعات تذبذب السعر باتجاه الارتفاع اكثر، ما يعطي مؤشرا على أن العامل المحدد للسعر هو عامل غير اقتصادي (قد) يتضمن عمليات التهريب عبر الحدود السائبة، ما يوجب معالجات أخرى تتمثل بالملاحقات القانونية (لكبار المهربين لا صغارهم).
النتيجة لا بد من أن يكون هناك حرص أكثر على مواردنا المالية، فالمسؤولية التاريخية تحتم ذلك، والتاريخ لن يرحم كل من يسهم بهذا النمط السيئ في الإدارة المالية.