التحديات الخارجيَّة والولاءات الفرعيَّة

آراء 2023/03/20
...

  غازي فيصل 


يعدُّ موضوع الهوية من ذات المواضيع بالغة الاهمية في بناء الشخصية والمجتمع والدولة، وأغلب الدول في العالم تعتبر من دول المتنوعة عرقياً وقومياً ودينياً وطائفيا، يعدُّ العراق من الدول المتنوعة بلد عريق ومتعدد الهويات والثقافات والقوميات والديانات منذ الأزل، فقد عانى منذ القدم إلى يومنا من حجم التحديات الداخلية والخارجية لبناء الهوية الوطنية، شغلت مسألة الصراع على الهويات في العراق حيزاً مهماً بين شرائح واسعة من المجتمع العراقي، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 والى اليوم والذي اتخذ أشكالاً متعددة، فالصراع نقصد به هنا هو ما بين الهويات الفرعية القومية، وكذلك المذهبية بين الطوائف الدينية، والذي أثر وما زال يؤثر في الهوية الجامعة والعليا للمجتمع وهي الهوية الوطنية للدولة،  وخصوصا برزت صورة هذا الصراع وبعمق بعد إسقاط النظام السابق الذي حدث عام 2003، لأسباب كثيرة التي  عمقت الصراع على الهويات في المجتمع العراقي وأثرت في هوية الدولة، تمثلت في التهميش والاضطهاد الذي وقع على طائفة معينة دون أخرى، وكذلك قومية على حساب الأخرى، من قبل ما يعرف بالمجتمع السياسي أو أنظمة الحكم التي تعاقبت على حكم هذا البلد.

فمنذ أيام حكم الدولة العثمانية للعراق والهوية الوطنية العراقية تعاني التمزق بفعل الموقع الجغرافي للعراق الذي كان يمثل منطقة الفصل بين القوى الإقليمية المتنافسة وبعد انهيار الدولة في العراق عقب عام 2003  كان للاحتلال الأميركي فعل الرصاصة القاتلة على ما بقي من هوية عراقية جامعة، فقد بدأ المحتل مسيرته بتقسيم العراق إلى أعراق وطوائف، وعلى أساسها شكل أول مجلس للحكم الانتقالي وفق الانتماءات القومية والمذهبية والطائفية، وهذا تكريس وتأسيس للولاءات الفرعية، حينها بدأ العراقي يتعرّف أكثر فأكثر على هويته الفرعية، التي سبق أن تعرّف عليها، أصبح المواطن العراقي يبحث عن هويته القومية والمذهبية ليجعل منها ظلا يستظل به بعد فقد الأمل بهوية المواطنة والدولة.

غلبت ولاءات  هذه المكونات على  حساب ولاء العراق، فاستغلت  الدول الإقليمية هذه الولاءات والانتماءات الفرعية واستثمرتها وفق مصوغات دينية وطائفية وساعدها على ذلك انهيار الدولة العراقية وضعف مفاصلها، التي تشكلت عقب الاحتلال وضعف قوة القانون وانتشار الميليشيات المسلحة بمختلف هوياتهم الفرعية، وهذا ما قام به  المجتمع السياسي، الذي عمق هذا الشعور، والولاء لدى الموطنين بالهويات الفرعية ونسيانهم، وبالكاد عدم إيمانهم بالهوية الوطنية، التي لم يلمسوا منها طيلة العقود غير العناوين والشعارات.