رحيم عزيز رجب
من منا لا يتذكر معلميه المتعصبين في مراحله الدراسية المختلفة، الذين مرّوا وتركوا بصمة في حياتنا الدراسية، وهم يمسكون بزمام الأمور بسطوتهم وضبط ايقاع الصف وأعطاء المادة الدراسية حقها على ادق واتم وجه حتى قيل.
إنك تسمع حركة دبيب النملة إن تحركت في الفصل. فكانت للبعض منهم كاريزما ونفوذ وهيبة تفرض. فالكل كان آذانا صاغية يستمع اليه دون نقاش أو استفسار الا إذا أذن له برفع سبابته. فحضوره كان مهيبا ونظراته مفزعة وكلامة سيف مسلط على رقاب طلبته. فالأعداد التي كانت تعج بها الصفوف آنذاك فهي لا تدخل في حساباته ولا تثير لديه أي إزعاج أو إرباك. ما دام يسير وفق نظام وسيطرة متناهيتين دون خلل أو توقف.. وهكذا تجد مثل هكذا نماذج متسلطة تمتلك من الحضور والنفوذ والجبروت في مجالات الحياة وشرائحها مالا تعد. ففي الاسرة تجدها في سطوة ذلك الاب على أبناه ومصادرة حرياتهم. وفي ذلك القيادي العسكري المهيمن على مرؤوسيه وبمن معيته، بعيدا عن الاستماع لهمومهم ومشاكلهم العملية. وفي ذلك المديرالعام العازف عن الإحاطة بصحبة موظفيه، والاخذ بيدهم والتقرب والاندماج معهم والتعايش مع ظروفهم والتعرف إلى تفاصيلها عن كثب، ليعش بينهم وحيدا وفي مشهد متناقض، عندما يكون الوجه الاخر بمن يؤمن بالديمقراطية المفرطة ليفقد مركزيته، دون أن يدرك قيمة ومكانة موقعه القيادي، والتي توصله سلوكه أحيانا إلى نتائج عكسية، فيفقد مكانته وجديته بالإمساك بزمام الأمور في خضم المسؤوليات العاتقة على كاهله، فتشتت قراراته وآراؤه، وهيبته بين مرؤوسيه، فلا يسمع له رائيا ولا يوجه إليه مشورة أو نصحا، ليكون عندها رمز أو اسم على ورق، دون أن يحرك ساكنا، لتأتي نتائج سياسته الفاشلة على طبق من ذهب.. عندها تكون سياسية الاعتدال والوسطية السبيل الأنجح في أدارة دفة القيادة والامساك بالعصا من الوسط بين هذا وذاك، بعيدا عن التسلط والتعصب وسياسة تكميم الافواه.والمركزية المفرطة.وبين الترهل.والسذاجة.
والديمقراطية المغلوطة المبطنة بالضعف والرخاوة والاسفاف وفقدان القرار. فهو الخيط الرفيع الذي يفصل بينهما ليمضي المعتدل قدما وبخطى واثقة نحو أهدافه المرسومة بكل ثقة وايمان متوكلا ومعتمدا على كفاءته ورؤيته الواضحة في تصحيح مسار الأمور، ربما وبما يختاره من شخصيات استشاريه يحيطونه لتقديم المشورة والرأي. وفق معطيات وخطط مدروسة. دون اندفاع وتهور فيكون قريبا من رسم معالم القرار متأنيا حازما حادا في جوانب معينة ومرنا عطوفا رحيما في جوانب أخرى، شديدا عند الشدائد في اتخاذ قرارته. لا يجامل. ولا يهادن ولايخاف في الحق لومة لائم.. فهو المزارع والفلاح بصفة مسؤول زراعي، مطلعا على أدق التفاصيل الزراعية عارفا وداريا، بما يواجه الفلاح من مشكلات وهموم زراعية. وهو العامل والفني والمهندس بصفة المسؤول الصناعي، حتى تجده بين غارقا بين المكائن والمعدات الصناعية لا يهدأ له بال الا على أصوات ودوران محركاتها.وهو الجنديوالعريف والمراتب الأخرى بصفة مسؤول دفاعي، بعيدا عن التسلط والمركزية المفرطة وفوارق سلسلة المراجع، يسمع شكواهم ويتعايش في ساحات التدريب ويشاركهم الزاد أ وما يسمى بالقصعة. وهو المعلم والمدرس بصفة مسؤول تربوي وارشادي يتغلغل إلى مواقعهم قريبا من أبنائه الطلبة، يطلع على تفاصيل شؤونهم واهم المعوقات التي تواجههم..وهكذا دواليك فالقيادة لا تعني العزوف والانعزال والعيش في الأبراج العاجية المتمثلة بالمكاتب الإدارية الفخمة وحاشية من السكرتارية. والبدلات الفاخرة. والعجلات الفارهة.
وإنما القيادة تتمثل على أرض الواقع والانسجام والاندماج في المصانع. والمزارع. وساحات التدريب والوغى. لتكون علامة بارزة وسمة لامعة في السجل القيادي، وبصمة في ذاكرة التاريخ الوظيفي، لتكون خارطة طريق ومنارة يستدل عليها اللاحقون في مسيرة الحياة العملية.