بغداد: عواطف مدلول
يواجه البلد في السنوات الأخيرة خطراً كبيراً، متمثلًا بتفشي جريمة تعاطي المخدرات من قبل الشباب، التي أخذت تفتك بالمجتمع العراقي، وتحول بعض أبنائه إلى مدمنين، حيث تقف وراء انتشار تلك الظاهرة أسبابٌ عديدة، لعل اهمها البطالة، وغيرها من العوامل اخرى.
ترى الدكتورة بعلوم الأدلة الجنائية الخبيرة زينب ساطع البيروتي أن المخدرات أخطر أنواع الجرائم، وبالرغم من أنها تحتاج من الضحية لوقتٍ للاحتيال عليها، لكنها استطاعت هذه الآفة أن تداهم بلدنا الحبيب في العقدين الأخيرين، حيث تحول العراق من معبر إلى مستهلك، بفضل مافيات، هدفها الربح المادي، وانشاء جيل بلا عقول، لأنها الوحيدة التي تجعل الإنسان نائما، إذ تعد من مذهبات العقل.
وعن أسباب اتجاه الشباب لتناول المخدرات تؤكد البيروتي أن الغرض من ذلك هو للحصول على السعادة، لا سيما إذا كان يعيش المعاناة من مشكلة عائلية أو عاطفية، أو نتيجة التفكك الأسري، ومصاحبة بعض أصدقاء السوء، فيتم خداعه إذ إن 25 % من أسباب الإدمان وتعاطي المخدرات، يقف وراءه أصدقاء السوء، ومن ثم عدم متابعة الأبناء من قبل الأسرة، والبطالة وما ينتج عنها من تدهور بالوضع الاقتصادي وقلة
الأموال.
مشيرة إلى أن الوصول لحالة لادمان يتم عبر مراحل، المرحلة الأولى تسمى (الحفلة) أو الجرعة المجانية، والتي تعني لقاء الشاب بصديقٍ له في جلسة، فيقوم بتذويقه طعاما معينا كالشكولاتة مثلا، ويتم وضع الكريستال فيها من دون علمه، أما في الجرعة الثانية فإن هذا الشخص تصبح لديه رغبة في تكرار ما تناوله أول مرة، فتسمى مرحلة التكرار، ومن ثم مرحلة التعويد، وبعدها مرحلة الاعتماد، وهي أخطر مراحل الإدمان، وفيها يتجه الشخص للجريمة وللسرقة أو القيام بعدة أفعال مشينة، لأنه يكون بدون وعي، مثل زنا المحارم أو قتل أحد الوالدين، إذ إن هنالك عدة جرائم مرتبطة بمرحلة الاعتماد، منها ايضا جريمة الابتزاز الالكتروني، وجريمة بيع الاعضاء البشرية وغيرها.
وتفسر البيروتي السبب العلمي للجوء الشاب الى المخدرات، موضحة: أن هرمون الدوبامين الخاص بالشعور بالسعادة، يحصل عليه الانسان بالحياة الطبيعة، من خلال ممارسته الرياضة والذهاب الى النوادي والقاعات لأجل ذلك، والاجتماع بالأهل وعناق الأولاد والاهل، اما إذا تناول المخدرات فإنه يحصل على الدوبامين بشكل كبير جدا، فمثلا الحشيش يعطي دوبامين اكثر من الطبيعي مئتي مرة، اما الكرستال يكون فيه هرمون السعادة اكثر من الطبيعي بثمانمئة مرة.
مبينة أن المشكلة الاخطر متمثلة بالغش الصناعي بالمخدرات، حيث يحصل المتعاطي من خلالها على نسبة دوبامين الف و250 مرة من الطبيعي، ما يقوده بالنتيجة الى الاكتئاب الحاد، ومن ثم الاتجاه للانتحار أو ارتكاب ابشع الجرائم.
مضيفة: أن هرمون الدوبامين يعطي سعادة، لأن المخدر يؤثر في الجهاز العصبي المركزي المؤلف من عصب حسي وعصب حركي وعصب بصري، فنشاهد أن مدمن المخدرات دائما يظهر سوادا تحت عينه، وكذلك تليفات فيها، ورشح قوي من الأنف والعين، إضافة إلى انبعاث رائحة مميزة جدا منه، لذا ندعو الأمهات والاهل ومدراء المدارس أن ينتبهوا لتلك الرائحة، التي تتسم بغرابتها وهي من النوع غير المرغوب به، وهي خير دليل لاكتشاف المتعاطي.
وتصف البيروتي حالة متعاطي المخدرات بأنه لا يهتم لملابسه ومظهره الخارجي، ويمشي بطريقة غير متوازنة، ومزاجه غالبا ما يكون متقلبًا، فتارة يكون عصبيا جدا، وتارة أخرى هادئًا جدا، وحالته اما يكون سعيدا أو حزينا، إذ إن أفكاره تبدو غير طبيعية ولديه هلاوس كثيرة.
وتشرح وضع المدمن قائلة: دخول المخدرات للجسم، يتم أما عن طريق الشم أو البلع أو الحقن أو عن طريق التدخين، وعادة ما بعد ست أو ثماني ساعات تبدأ تؤثر في الجهاز العصبي، لكن الأعراض الانسحابية لها تظهر بعد تقريبا من عشرة إلى 12 ساعة، فيبدأ الشاب يشعر بالأعراض، وهنا تكون حالته خطرة، لأن مزاجه يصبح متعكرا جدا ولا يستطيع النوم، فيحاول أن يكرر استخدامها حتى يحصل على الشعور الأول نفسه الذي ناله منها.
اما بخصوص الحلول للحد من آفة المخدرات تذكر البيروتي هناك قانون رقم 50 لسنة 2017 المادة 40 والمادة 41 تنصح جميع أبنائنا، وكذلك الأسر العراقية أيضا بقراءتها، فالمادة 40 تقول ألا تفرض اي عقوبة جزائية على كل من اتجه بنفسه إلى أحد المراكز التأهيلية لتسليم نفسه باتجاه العلاج، أما المادة 41 تؤكد أن هذه العمليات تتم بسرية تامة، ولا يمكن لأي أحد أن يفضح هذا المريض أو يعطي اسمه او رقم تلفونه، لذا ندعو شبابنا اذا كانوا يعرفون أحدا يتناول المخدرات، أو هم يرغبون بإعلان التوبة، بأن يتوجهوا الى مراكز التأهيل وسوف يتلقون العلاج، خاصة إذا كانت الجرع في بدايتها، فممكن الشفاء منها سريعا.
محذرةً من أن الإدمان في المراحل المتقدمة من الصعوبة الحصول على علاج سريع له، لأن الجهاز العصبي المركزي سوف يصاب بالتلف، وهذا يحتاج الى تحفيز أما بالأجهزة الكهربائية، أو الوخز بالأبر الصينية، إلى جانب العلاج النفسي والمعرفي السلوكي، والأهم العلاج الديني.
وفي الختام تقدم البيروتي نصيحتها لشبابنا بأن يختاروا الحياة الصحية نفسيا وبدنيا، من خلال اللجوء لممارسة بعض الهوايات، من أجل تفريغ الطاقات السلبية لديهم، والتي تنشأ جراء الظروف السيئة التي تحيط بهم، تحقق لهم نفعا كبيرا وتبعدهم عن الأعمال الخاطئة، التي تكون متعتها وقتية، لكنها تلحق بهم الأذى على المدى البعيد.