السيد لوري

الصفحة الاخيرة 2023/03/20
...

عبد الهادي مهودر 

للمرة الثانية نضطر للكتابة عن شأن بريطاني متصل بالشؤون العراقية، فبعد عتبنا على الإنگليز لإيقافهم بث إذاعة بي بي سي العربية، نسأل عن العراقي الذي اختفى اسمه من نشرات الأخبار بعد أن كاد أن يكون رئيساً للحكومة البريطانية وهو ناظم الزهاوي وزير التعليم والمالية في حكومة بوريس جونسون ورئيس حزب 

المحافظين الحاكم، فقد كنا نتابع أخباره بفخر مثلما نتابع أخبار العراقيين الناجحين في الخارج، ونتساءل لماذا تستفيد الدول الأخرى من الكفاءات العراقية بعيداً عن بلدهم، حتى جاءتنا الصدمة من بلاد الضباب مثل أي فيلم هندي نكتشف في نهايته سيلاً من المفاجآت، الأم العمياء التي ترى النور من هول الصدمة والشرطي الذي يلاحق اللص ويكتشف أنه شقيقه، وفي كل فيلم هندي قطار من المفاجآت، وكنا نمني النفس أن تكمل مشوارك بنجاح قبل أن يقول لك رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك (إن خرقاً جسيماً لمدونة السلوك الوزاري قد وقع، وبناءً عليه أبلغك قراري بإقالتك من منصبك في حكومة صاحب الجلالة) وكم تمنينا أن تكون النهاية سعيدة ولا يترك القطار (حمدنا) ويمضي، كان من الممكن أن تعيش في العراق وتعمل وزيراً وتفلت من العقاب مثل زملائك الذين فازوا باللذات، لأن سبب 

إقالتك بسيط جداً في العراق العظيم، لكنه جسيم جداً في بريطانيا العظمى، ولا أظنهم استضعفوك فوصفوك كما يقول أبو العلاء المعري، وكل ما في الأمر أن رئيسك سوناك تعهد تحت الضغط بحكومة لا تشوبها شائبة، ولو كنت وزيراً في بلدك العجيب فهذه الشائبة لا يشيب لها رأس أحد في زحمة 

الشوائب العظيمة، ولكنك في البلد الغريب الذي تحكمه قوانين لا ترحم وتقاليد ومعايير ومدونات سلوك ورقابة ومصداقية وصحافة حقيقية ودافعو ضرائب يحصون على المسؤولين أنفاسهم، والمشكلة بشكل مبسّط هي "أن سلطات الضرائب البريطانية خلصت إلى أنه كان غير مكترث في إعلاناته لكنه لم يقصد ارتكاب خطأ أو دفع ضرائب أقل" ومع قسوة هذا 

القرار أمام هذا السبب البسيط فقرار الإقالة لا يخلو من دروس وفوائد للتجربة العراقية التي يجب أن تتعلم من تجارب الآخرين، فللمرة الأولى نكتشف أن عدم الاكتراث هو خرق جسيم يستحق عليه الوزير الإقالة حتى لو كان رئيساً للحزب الحاكم، وللمرة الأولى نسمع عن منصب مستشار للقيم والأخلاقيات الحكومية اسمه (لوري ماغنوس) تولى التحقيق في قضية الزهاوي، وكم نحن بحاجة إلى هذا النوع من المسؤولين أمثال السيد لوري الذين يرون في عدم الاكتراث سبباً كافياً لإقالة أي وزير ومسؤول في سلم الدولة مهما كان موقعه السياسي، لأن عدم الاكتراث حالة عراقية شائعة وسلوك شبه عام، بل نحن أحوج ما نكون إلى (لوري ورا لوري).