في الدرس الأخلاقي

آراء 2023/03/26
...

 حسب الله يحيى 


الأخلاق سلوك، وليست نظريات وتعليمات وأوامر، ومن لا سلوك مستقيماً له، لا يمكن إصلاحه وتقويمه بالردع والقسر والنهي والغلظة. بدليل أن معظم الذين دخلوا السجون لم يتغير سلوكهم نحو الأفضل، ما يشير ويؤكد الى أن السجون ليست للإصلاح كما يجري تلميع اسمها، وإنما هي وسيلة للردع وحرمان من الحرية لا غير.. الأمر ذاته، يمكن أن يتكرر ولكن بوسيلة أخرى هي المناهج الدراسية التي تم وضعها مؤخراً وإلزام الطلبة بدراستها وأداء الامتحان فيها، بوصفها مادة دراسية إلزامية يفترض بالطالب ليس حفظها وإتقانها بالتلقين، وإنما أن تتحول إلى سلوك عملي في الحياة.


إلا أن الواقع المنجز لا يخرج عن إطار الدرس في وصفه المنهجي المطلوب لا غير، ولعل السبب الحقيقي لا يكمن في عدم تحويل هذا المنهج الدراسي، إلى واقع حياتي ملموس ومنجز على أرض الواقع، وإنما يكمن في هذا البون الشاسع بين السلوك الأخلاقي على مستوى التطبيق في حياتنا اليومية، وبين الأداء النظري المطلوب أداؤه مدرسياً.. 

وإذا كنا نفهم السلوك الأخلاقي القويم، كونه غير محصور بالجسد وبكل ما يخل بالقيم الإنسانية الرفيعة، ويحمل من أضرار سلبية قد يلحق الأذى بالآخرين أو يغتصب حقوقهم أو يستغلهم أو يسيء إليهم، فإنها جميعاً صفات سلبية ولا أخلاقية في السلوك. 

فإذا عرف عن المعلم أنه يتقاضى الرشى من طلبته، أو يلزم طلبته بالدروس الخصوصية، أو كانت الأم تستغل جيرانها أو زوجها مادياً ونفسياً، وإذا ما تبين أن بقال الحي يستغل ثقة الناس به، ويرفع الأسعار، أو يجيء ببضاعة رديئة، وكذلك الطبيب الذي يستغل مرضاه ويلزمهم بأجور عالية، واقتناء الدواء من صيدلية بعينها، واجراء الفحوصات والأشعة من محال معينة وإذا كذب الأب أو المعلم أو الصديق و المسؤول في التعامل بوطنية. 

فإن كل هؤلاء وسواهم ممن يراهم طالب الدروس الأخلاقية في محيطه اليومي، سيؤثرون فيه، فكيف يمكن أن يؤمن ويقتنع ويؤدي سلوكاً قوياً في حياته اليومية؟.

وكيف يمكن للطالب أن يحسن الظن بالجهات العليا التي تطلب منه أن يكون وطنياً ويتمتع بخصال حميدة. ووزارة التربية تتجاوز كل أصحاب المطابع العراقية وتقوم بطباعة كتب التربية الأخلاقية وسواها في بلدان أخرى مع أن الاستقامة والوطنية تكمنان في إيلاء الوطن الأهمية والامتياز الأول. 

وإذا ما توقف الطالب وأستاذ مادة التربية الأخلاقية على حد سواء أمام النشرات والبرامج التلفزيونية وتواصلا مع جهازي هاتفيهما، فإنهما سيتوقفان عند هذا الزخم المتزايد من إدانة الفساد. في وقت نجد فيه الفساد لا يتخلى عن المواقع التي شغلها، بل بات يزيد ويتحدى ويأخذ مساحات واهتمامات أخرى. 

إذن كيف نريد من الطلبة أن يتعلموا ويتصرفوا ويمتحنوا كذلك في مادة دراسية تتعلق بالأخلاق؟

إن السلوك التربوي القويم، لا يتم ولا ينجز ولا ينتشر  على وفق هذه المادة الدراسية النظرية، وإنما على وفق ما يتحقق على أرض الواقع المادي. 

وفي علمنا أن معظم دول العالم لم تلزم الطلبة بمادة دراسية أخلاقية، وإنما هي توجه المواطن منذ صغره ومنذ المراحل الأولى لعمره، ألا نكذب عليه ولا نمارس سلوكاً يتخلى عن الأمانة أو ممارسة ما هو شائن، مثلما لا تفرق بينه وبين أخته وإخوته وأصدقائه لمجرد أن أحدهم على دين آخر أو لون آخر، وإنما يتم التعامل معهم على قاعدة المحبة والنقاء والود والسلام. 

من هنا ينشأ الطفل ونحن مطمئنون إلى سلوكه في الميادين كافة، وما دام يتمتع بالصدق والأمانة والصراحة والنظافة. فإنه لا بد أن يتجه اتجاهاً قويماً ومستقيماً يحقق لذاته وللمجتمع كل الأمور السليمة على حد سواء. 

من هنا نرى أن الدرس الأخلاقي الذي بات إلزامياً في الخطاب المدرسي لن يأتي بنتائج حميدة عند هؤلاء الطلبة، وذلك لأن هذا السلوك الذي يقرؤونه ويحفظونه ويتداولونه ويمتحنون فيه لا بد أن يتحول إلى واقع ملموس وحقيقي.