٢٠٠٣.. أوهام القوة وأسس بناء الدولة

آراء 2023/03/28
...

  عبدالزهرة محمد الهنداوي



هدير الطائرات القاصفة، يدوّي في السماء، واصوات الانفجار التي تهز الفرائص تأتي من هنا وهناك، وألسنة الدخان تغطي الافق والارجاء، ثم ماتلبث طائرات الاباتشي، ان تظهر محلقة في سماء العاصمة، وشيئا فشيئا بدأ الناس يشاهدون أفرادا من المارينز المدججين بأسلحة لم تُشاهد من قبل، لا أخبار، لا معلومات، فالاذاعة والتلفزيون الحكوميان قد صمتا نهائيا، والكهرباء لم يعد لها وجود، وبقي الناس يتسقطون الاخبار من اذاعتي "مونتيكارلو" والـ(BBC).، أجواء، كل شيء فيها كان يوحي بالرعب وينذر بالخطر، فالعاصمة مغطاة بطبقة من الدخان الكثيف، ناتج عن احتراق كميات كبيرة من النفط الاسود، التي كان النظام قد وضعها في خنادق خاصة، ليحرقها تباعا، ظنا منه أن غيمة دخانية سوداء، ستعيق الاشباح الطائرة من الوصول إلى أهدافها!. 

القلق والخوف من المجهول بدأ يدق رؤوس الناس بعنف، فالمواد الغذائية بدأت تنفد، وصنابير الماء، بدأت تجف، والوقود شارف على الانتهاء تماما، فما الذي ينبغي فعله في ظل اجواء كل شيء فيها مرعب.. طائرات وأباتشيات وبرامزات، ومارينزيون ومارينزيات، وموت وحرائق، وانفجارات، وكأن القيامة قد قامت قبل موعدها.. وعصف الاسئلة المرة كان يتفجر في الرؤوس، تُرى لماذا يستهدفنا الموت دون غيرنا؟!، لماذا نكون دائما مسرحا للحرب، والقتال؟!، ما ذنب أطفالنا ونسائنا وشيوخنا ونخلنا ومائنا، وحقولنا ونفطنا، وأغنامنا وأبقارنا وأهوارنا وجبالنا، وحتى قططنا وكلابنا، التي مات بعضها وهرب آخر؟!.

مضت الأيام ثقيلة على النفوس، فبدت لحظاتها وكأنها كائن عملاق يطأ بأقدامه الكبيرة رؤوس البشر، فيحيلها إلى نثار ينتشر في الهواء مثل حبات الغبار، التي تظهر في كنف أشعة الشمس النازلة من السماء..

إلى متى سيستمر الأمر على هذا الحال؟ أين الذين ملؤوا الدنيا صخبا، وأوهمونا أنهم سيلقنون الغزاة درسا، وأن مجيء هؤلاء الغزاة يمثل انتحارا حقيقيا لهم، فهم ليسوا سوى علوج، لا قيمة لهم، ولا يشكلون سوى وجبة غداء بسيطة لأسود ضارية؟!.. ولكن، فجأةً، انتهى كل شيء وانهارت القوة الواهمة، فهاهم العلوج يظهرون ظهورا صريحا، في وسط العاصمة، ليحطموا تمثالا للرئيس كان ينتصب في ساحة الفردوس، وهو واحد من تماثيل كثيرة، كانت تحاصر الناس في كل ارجاء البلاد.. قام العلوج بإعدام التمثال من خلال شد وثاقه بدبابة المارينز، التي عبرت جسر الجمهورية، قبل ساعات، وجرّه بعنف، وسط صيحات وفرح الكثير من الناس الذين تجمعوا ليشاهدوا ما يحدث عن كثب، بينما كان ابو تحسين، ينهال ضربا بـ"نعاله" القديم، على رأس التمثال، وكأنه كان يعبّر عن مشاعر الناس في تلك اللحظات!.

نعم لقد انتهى كل شيء!