حسن العاني
ليس في تاريخ أسرتنا العريقة من جرى الحديث عنه كما جرى عن أمي، فقد كانت امرأة ساحرة الجمال، وسيدة كريمة اليد والحسب والنسب، هذا غير ما ورثته عن والديها من بساتين وأراضٍ وذهب وأموال، جعل أولاد العشيرة والطامعين والطامحين على حد سواء يمنون النفس بالزواج منها، وشاء حسن الحظ والنصيب الطيب أن تقترن بشاب في الثامنة عشرة من العمر، وهو وإن لم يكن من شباب قبيلتها، ولكن ما بين قبيلته وقبيلتها صلة نسب واحترام، وقد آتاه الله من جمال الخلقة والخلق والأدب والتواضع، الشيء الكثير إلى جانب الحسب والجاه والثراء، حتى قالت الناس لا يليق بهذه الأميرة الطيبة غير هذا الأمير الطيب.
يوجعني وجع والدتي، إذ لم تهنأ أكثر من ست سنوات مع زوجها الذي وفر لها أسباب السعادة، ومنحها ما تستحق من الحب والاحترام، فقد قتل غيلة وغدراً وخيانة وهو الذي ما أساء إلى أحد في حياته، لهذا لزمت أمي بيتها وقررت ألا تقترن بأحد من بعده، لولا أنها كانت وحيدة، ولا بد لها من رجل يصون عرضها ويحمي ثروتها، ومن هنا اقترنت للمرة الثانية، وكان زواجها هذه المرة من رجل عسكري مغمور جاوز الأربعين، ولم يتزوج لأسباب غامضة، ونقل المقربون منه، أنه يعشق نفسه بجنون، حتى أن أصدقاءه كانوا يلقبونه (وحيد زمانه) من باب الطرفة ..
الغريب في الأمر هو ما زعمه الكثيرون بأن هذا الرجل العسكري هو من قتل زوجها، ولكنه أقسم بشرفه العسكري، أن التهمة بحقه باطلة، وأثبت في السنوات الخمس التي أمضاها معها صحة قسمه، إذ كان إنساناً شهماً، رعى مصالحها على أفضل ما تكون الرعاية، ولكن المصائب أبت إلا أن تلاحقها، فقد قتل هو الآخر علانية، وسرعان ما تفجرت شهية الذئاب والأطماع، وكان لا بد لها من شريك يحميها. وجاء الرجل الشريك هذه المرة قروياً أبدى لها من مروءة القرويين ما (عوضها) عن أعوام الحزن، إلا أن الأمر ما كاد يستتب له حتى قلب لها ظهر المجن، فإذا به يضربها ويستدعي أهل قريته يتحكمون في أموالها وهي صاغرة تنتظر الخلاص، وأتاها الخلاص بعد أن قتل زوجها وتزوجت من رجل أجنبي وعدها بالأمن والأمان، غير أنه لم يفِ بوعوده، وتصرف هو ومن سانده من عشيرة أمي بثروتها. وقد بلغ بهم الغدر إلى حد تزوير أوراقها الشخصية، ولهذا ما كادت تمضي سنة واحدة على زواجها وقد تكشف لها كل شيء، حتى وافتها المنية كمداً وحزناً وقهراً، وهكذا ورثوا الصغيرة والكبيرة وحرموني من ميراث أمي!.