عبد الحليم الرهيمي
يعتقد كثيرون، بأن غالبية العراقيين بمن فيهم عدد كبير من البعثيين، الذين كانوا يعانون من النظام الصدامي، تكاد تتفتق على القول بأن الحرب التي بدأها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية في 19 آذار – مارس حتى 9 نيسان – ابريل عام 2003 من العام ذاته التي كانت أولى عملياتها قصف برج الاتصالات في منطقة النسور ببغداد يوم 20 آذار
قد تمكن هذا التدخل العسكري الدولي من اطاحة نظام صدام في التاسع من نيسان – ابريل من العام نفسه، وكان الهدف المعلن لهذا التدخل العسكري هو تحرير العراق وشعبه من حكم الطاغية صدام، والتخلص من قمعه وتدميره للعراقيين، والتخلص من حروبه المدمرة للعراق ولدول الجوار، على أن يتبع التحرير المباشرة بعملية التغيير للدولة ونظامها وسياساتها بإقامة نظام ديمقراطي حقيقي، يتمتع فيه العراقيون بالحريات والتقدم والازدهار على مختلف الصعد.. وقد عبر كثير من العراقيين عن فرحهم وابتهاجهم بهذا التحرير ووعود التغيير وتحقيق أحلامهم بعراق ديمقراطي جديد مزدهر ومستقر وآمن.
غير أن هذه النظرة والرؤية التي سادت آنذاك للواقع الذي كان قائماً، لم يكن يشير أو يوحي بغير ذلك.
لكن الطبقة أو الشريحة السياسية التي تولت السلطة وادارة الدولة، ابتداءً أو في المراحل التالية قد بددت تدريجياً تلك التوقعات والآمال التي بناها غالبية العراقيين على الوضع الجديد، وكان عجزها وفشلها وعدم اهليتها ومصالحها الشخصية والحزبية، فضلاً عن فسادها هي التي تحكمت وأدارت الأوضاع في المراحل التالية، حتى وصل العراق والعراقيون إلى ما هم عليه الآن.
ومن هنا يمكن القول : يخطأ من يتجاوز الحقيقة والوقائع التاريخية بالقول إن ما حصل بعد التحرير وبدء التغيير، قد حصل بفعل هذا التدخل العسكري للتحالف الدولي، ذلك أن مثل هذا القول يشي من جهة بعدم تقدير جهود وتضحيات من لبوا نداء العراقيين ومساعدتهم في التخلص من نظام صدام، الذي لم تسقطه الانتفاضات ومختلف اشكال المعارضة وحتى محاولات انقلابات العسكرية، فضلاً عن أن ذلك يبرئ من جهة ثانية الطبقة أو الشريحة السياسية والجماعات الحزبية، التي تولت الحكم والادارة طيلة العقدين المنصرمين من المسؤولية الاساسية والكبيرة عن كل ذلك وعن تبديد أهداف ومبررات التحرير والتغيير.
لذلك ستبقى النظرة الواقعية والايجابية لهذا التاريخ وحدث التحرير والتغيير حاضرة لسنوات طويلة، لاهتمامات وبحوث الدارسين والباحثين الموضوعيين، والتي تؤكد بأن التدخل العسكري الدولي من اجل التحرير والتغيير كان فرصة كبيرة وثمينة أمام الشعب العراقي، لبناء دولة جديدة ديمقراطية متطورة، مثلما استفاد الرعيل الاول من السياسيين العراقيين في تأسيس وبناء وتطوير الدولة العراقية الحديثة (1921 - 1958).
وخلافاً لهذا التحليل والرؤية لحدث التحرير والتغيير، عمد ما تبقى من بقايا إعلاميي نظام صدام والمتعاطفين معه من العراقيين والعرب إلى تشويه حقيقة وأهداف ومبررات ما حصل، بوصفه غزواً واحتلالاً ودماراً للعراق عند تناولهم لهذه الذكرى.
إذْ بالغوا في تزوير هذا الواقع ولجؤوا في الوقت نفسه إلى التمسك والترويج لمسائل هامشية وغير حقيقية، كالقول إن التدخل العسكري حصل إن كذبة امتلاك العراق اسلحة الدمار الشامل، هي سبب الحرب والتدخل العسكري متعمدين الجهل لنضالات الشعب العراقي، التي مهدت لذلك ومتجاهلين ايضاً تمكن المعارضة العراقية من اقناع الكونغرس الاميركي باصدار قانون تحرير العراق عام 1998، الذي ألزم الإدارات الاميركية القيام بذلك في الوقت المناسب كما تمسك وروج ذلك الاعلام لسؤال، لماذا لم يسع العراقيون، سياسيون ومحامون وقضاة بالدعوة لمحاكمة الرئيس الاميركي بوش الابن ونعتهم (بقليلي الوطنية)، دون أن يطلبوا محاكمة حكامهم، الذين دعموا قمع صدام للشعب العراقي ودعم حروبه التدميرية ضد بعض دول الجوار، أو الدعوة لمحاكمة نظرائهم الاعلاميين الذين دعموا وأيدوا كل جرائم النظام السابق بأثمان وعطايا سخية من اموال الشعب
العراقي!.
أخيراً ينبغي القول: إن حدث التحرير كان الفرصة العظيمة التي فتحت الآفاق امام الشعب العراقي للتغيير دون التمكن من الاستفادة منها، سيبقى حاضراً دائماً باعتباره حدثا كبير الاهمية والدلالة في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، وهو الامر الذي يتطلب أن يبادر أصحاب الاقلام الموضوعية والنزيهة من المؤخرين والكتاب والسياسيين إلى دراسة هذه التجربة بمقدماتها ومبرراتها واسبابها ومآلاتها، والتوقف ايضاً عند دراسة الجهات العراقية والعربية، التي عملت على إجهاض وتدمير هذه التجربة – الفرصة وإيصال العراق إلى ما وصل اليه، وذلك بما يخدم التاريخ والعراق وشعبه.