أ.د عامر حسن فياض
إن إعادة الحياة للتماسك الوطني في العراق تمثل استحقاقا، ينبغي أن يتصدر الأولوية في أجندة من يتولى إدارة الحكم ليسهم في شفاء العراق من مرض هشاشة الضبط الوطني المفرط بالانتشار يوماً بعد آخر.
نعم نتلمس يوما بعد آخر تصلب الهويات المكوناتية التقليدية (المذهبية الدينية – القومية العنصرية – العشائرية المتعصبة – المناطقية الجغرافية الضيقية) على حساب الهوية الوطنية العراقية.
والمصاديق على هذا التصلب ليست سهلة الحضور والاستحضار فحسب، بل هو تصلب يتمتع بالغلبة والتفوق والوضوح المعلن.
ومقابل حقيقة التصلب للهويات المكوناتية الفرعية تبرز حقيقة رخاوة الهوية الوطنية، الأمر الذي يساعد، يومياً، على توسع الشرخ في الضبط الوطني من خلال تشريعات واجراءات وممارسات تحصل عن قصد واخرى تحصل بدون قصد وربما عن جهل... فأي ضبط وطني وتماسك وطني بدستور وتشريعات تساعد على تصلب تنوعات قومية متكارهة، وتصلب مذاهب دين واحد متغالبة وتصلب عشائر قومية واحدة متقاتلة وتصلب ابناء محافظات وطن واحد متناكفة؟! وأي ضبط وطني وتماسك وطني اريد له، سابقاً، أن يضبط ويتماسك بالديكتاتورية، ويراد له حالياً ان يضبط ويتماسك بالشعبوية الفوضوية؟!..
أي ضبط وطني عراقي سيتحقق مع هوس التغيير والتبديل للنظم الانتخابية في كل جولة انتخابية عامة أو محلية؟! أي ضبط وتماسك وطني عراقي سيتحقق ومنسوب الفساد يرفل بالمد ومياه الرافدين تتمرغل بالجزر؟!، وأي ضبط وتماسك وطني عراقي وكل واحد من الكل السياسي العراقي المتنفذ يستقوي بواحد من الكل الاقليمي أو الكل الدولي؟!، أي ضبط وطني وتماسك عراقي سيتحقق وقوانين خدمة العلم والنفط والغاز والمحكمة الاتحادية ومجلس الاتحاد وغيرها من قوانين أساسية دستورية، دخلت في سراديب باردة حد الانجماد؟! أي تماسكٍ وضبط وطني عراقي والاقليات تتسيد عليها الاكثريات، والاكثريات تتسيد عليها اقلوياتها من دواخلها بسلطة المال وبقوة السلاح؟!
أي ضبطٍ وتماسك وطني عراقي ونحن نستحضر من التاريخ كل مايتصل بالألم والقسوة والتقاتل بين التنوعات، بينما نتجاهل تاريخ التعايش والتسامح والتضامن بينهم؟! اي ضبط وتماسك وطني عراقي والكل ينادي بالوطنية والمواطنة كيما نسمعها ولا نراها ! وكيما نتذكرها ولا نتلمسها! وكيما نقولها ولا نفعلها! وعندما لا نراها ولا نتلمسها ولا نفعلها سنغوص في مستنقع العدمية الوطنية– فحذار من تصحر المواطنية وانتعاش وازدهار المحاصصات المكوناتية.
وبالمناسبة فإن التصحر الوطني أصبح هدفاً مدعوما من الداخل المحصصاتي العراقي، الذي لا يروق له ان يكون العراق مستقلا وديمقراطيا، وكذلك فإن التصحر الوطني للعراق مدعوم من الخارج الاقليمي والدولي، الذي لا يروق له أن يكون العراق آمنا ومستقرا.