«من احتكر فهو خاطئ»

آراء 2023/03/29
...

عصام كاظم جري 

لا أحد ينسى كيف خرج الآلاف من أبناء الشعب العراقي، وبأطيافه وقومياته كافة؟ من أجل إقرار قانون انتخابي مُنصف يحقق العدالة والمساواة لطبقات المجتمع عامة، ويعزل الكتل والأحزاب والقوة المستبدة المتسببة في فشل إدارة ملف الدولة المركزيّة سياسيا واقتصاديا، نعم خرج ليعزل تلك الكتل التي أسهمت في استشراء ظاهرة الفساد الإداريّ والماليّ لعقدين من الزمن.

ولا أحد يستطيع أن ينكر كيف تم الضغط من قبل تلك الحشود الثائرة، والتي خرجت مساندة بعضها البعض ضد الطبقة السياسية الحاكمة وبرمتها؟ وكان من أبرز مطالب المتظاهرين إلغاء قانون الانتخابات «سانت ليغو « سيئ الصيت. وقدّمت تلك الحشود الصادحة بالحق مئات الشهداء الأبرار، ومئات الجرحى، بغية إلغاء قانون انتخابي يحتكر السلطة والتسلط لفئة دون فئة أخرى، ولجماعة دون غيرهم باسم الديمقراطية والتعددية والحرية وصناديق الانتخاب، ولكن الجديد الذي طرأ اليوم، والملفت للانتباه هو إعادة التصويت من جديد على قانون الانتخابات القديم، إن هذا الاقرار يعدّ تراجعا كبيرا، والتفافا حول مطالب ثورة تشرين الخالدة، والعودة إلى المربع الأوّل للتسلط وتكريس النفوذ وتغييب الآخر، وتضييق الحريات ونهب أموال العراقيين، لهذا على القوى العراقيّة والشّخصيات الوطنيّة والأدباء والإعلاميين والفنانين ومنظمات المجتمع المدني، فضلا عن الشخصيات الأكاديميّة والعشائريّة وغيرهم، أن يصففوا جهودهم لمواجهة التحديات في تمرير هذا القانون سيئ الصيت. إن هذا الاعتراف والتصويت ما هو الا محاولة لاستهداف تمثيل القوى المدنية والشخصيات المستقلة والمشايخ والوجهاء الذين أعلنوا حربهم ضد الطائفيّة السياسية والجهوية والفئوية والمناطقية ومواجهة دولة المحاصصة والتحاصص والاحتكار. إن ترسيخ مفهوم الوطن والمواطنة كمنهج وسبيل لاحياد عنه، وأمر لا بدّ منه.

 لقد أثبتت الحكومات السابقة والحالية الفشل الذريع في منهج المحاصصة، من خلال غياب المشاريع الستراتيجية، بعد ان ضاعت كل التخصيصات المالية في جيوب المفسدين. 

ولا أقول إن الغرض من التصوّيت على هذا القانون الانتخابي لاستشراء الفساد من جديد لسبب واحد، إن هذا الذي نسميّه بالفساد ما انفك يوما عن هذه الحكومات وعلى كل مستوياتها وخطوطها.

وإن إحالة هذا القانون لمجلس النواب والموافقة عليه يكشف شيئا واحدا هو إقصاء القوائم، التي لا تنتمي إلى أحزابهم الكبيرة والمتنفذة، وكل التبريرات التي تقدّمها تلك الكتل لا تغيّر من الخيبات شيئا، وما هي إلّا ذريعة أخرى، أسوة بذريعة سلّم رواتب الموظفين الجديد، وزيادة رواتب المتقاعدين، وتوزيع قطع الأراضي، ورفع سعر صرف الدينار مقابل الدولار... وغيرها من ذرائع. وإن تسويق الإعلام غير المهني من قبل مؤيدي هذا القانون الانتخابي المجحف، له غايات عديدة، منها تحميل الفشل على ظهور أعضاء مجالس المحافظات من جديد، والهروب إلى الأمام من مسؤولية فشل الإدارة المركزيّة في عملها، اما بقية الأسباب معروفة لدن القاصي والداني.

متى تنتهي ممارسة السرقة اليوميّة وفي وضح النهار؟ ولكن يبقى الأمل في السؤال الآتي: متى يلتفت هؤلاء الممثلون البارعون للوطن وللمصلحة العامة ؟ متى يستشعرون بالأمراض المزمنة التي أصيب بها الإنسان العراقيّ مثل السكري وضغط الدم والسل الرئوي والسرطان الذي بدأ يفتك بالناس، لا سيما في محافظات الجنوب والوسط.