مسلم غالب
تعد ريادة الأعمال الاجتماعية من المفاهيم الحديثة في مجال العمل التنموي. وما زالت في بداية ولادتها، وقد تحتاج لفترة زمنية أطول لتستشفي وتزداد وضوحاً ونضوجاً، من حيث الفكرة والتطبيق. لكن الإقبال المتزايد عليها في كل أنحاء العالم يسرّع عملية النمو ويجعلها محل الاهتمام من قبل كل من يهتم بقضايا المجتمع، و يبحث عن حلول جديدة له.
تعرف ريادة الأعمال الاجتماعية، بالريادة المجتمعية أيضا، حيث التركيز هنا على المجتمع، وهى بطبيعتها غير حكومية وتنتمي إلى مؤسسات المجتمع المدني. ولا تعتمد ريادة الأعمال الاجتماعية على تلقي الدعم الحكومي، وإن كانت في كثير من الحالات تستحق الدعم، لأنها تعنى بالشأن العام وتحاول تخفيف معاناة المواطنين، وهذا الأمر يجعلها قريبة من الدوائر الحكومية الاجتماعية، لكنها فكرة أهلية، وأحد أسباب نعتها بالابتكارية، أنها بعيدة عن البيروقراطية الحكومية، وتنتهج نهجاً مختلفاً يقوم على الحرية وفك القيود الإدارية، كسائر الشركات والمؤسسات، التي تنشط في القطاع الخاص وغير الحكومي.
ريادة الأعمال الاجتماعية، هى عبارة عن تقديم حلول إبداعية وابتكارية لقضايا المجتمع ومشكلاته في إطار مشروع ريادي. العبارات الأساسية في هذا التعريف هي الإبداع، وقضايا المجتمع والمشروع الريادي. يلعب الابتكار والإبداع دوراً أساسياً في ريادة الأعمال الإجتماعية. وتتنافس الشركات الاجتماعية في تقديم مشاريع ريادية تتسم بنسبة أكبر من حيث الإبداع. فالكل يحاول طرح فكرة جديدة لم يسبقه بها أحد، أو تختلف من حيث معالجة الأمور عن المؤسسات التقليدية. إذ يرحب في مجال الريادة الإجتماعية بالبحث عن حلول غير تقليدية لقضايا اجتماعية.
تنشط الشركات الإجتماعية فى شتى المجالات الاجتماعية، والثقافية، والبيئية. ولا تختصر الريادة المجتمعية على حقل تنموي خاص، بل تشمل حقولاً ومجالات عدة. بعض المشاريع الريادية الاجتماعية تركز على البيئة. وتحاول التقليل من التلوث البيئي، عبر تقديم مشاريع بيئية مبتكرة. والبعض يحاول تقديم مشاريع ثقافية في مجالات كالتعليم والدراسة، وبث الوعي بين المواطنين حول قضايا المجتمع. والبعض الآخر يعمل في مجال المشكلات الاجتماعية، والشرائح الاجتماعية الفقيرة، ومكافحة البطالة.. إلخ.
تختلف الشركات الإجتماعية التى تتبنى الريادة المجتمعية عن الشركات التجارية المحضة. فإن ريادة الأعمال الاجتماعية وإن كانت ربحية وتلتزم بشروط العمل التجاري والمالي وتعمل وفق خطة اقتصادية محددة، تحسب فيها التكاليف والأرباح وكل ما يتطلب لإنجاح المشروع، إلا أنها تختلف عن الشركات التجارية من حيث الرسالة. فالشركات الاجتماعية لا تبحث عن الربح المالي كغاية نهائية، بل تستخدم العوائد المالية والتجارية في خدمة أهدافها الاجتماعية الخيرية. وتحاول أن تجعل المال يلعب دوراً في مجال التأثير المجتمعي. و هذا الهدف لا نراه عادة ضمن رسالة الشركات التجارية وخططها.
تختلف الشركات الإجتماعية عن المؤسسات الخيرية و التطوعية أيضاً. ريادة الأعمال الاجتماعية تشبه المؤسسات الخيرية والتطوعية من جهة، وتختلف عنهما من جهات أخرى. بما أن الهدف في الريادة المجتمعية، هو تقليل معاناة المجتمع ومساعدة شرائحه المحتاجة، فهي تشبه العمل الخيري والتطوعي من حيث المبادئ ونقطة الانطلاق. لكن تختلف عن المؤسسات الخيرية والنشاط التطوعي من حيث المنهج والآلية. فالشركة الإجتماعية ليست مؤسسة خيرية ولا تعتمد على التمويل الخارجي أو التبرعات، بل مصدر التمويل لها ناتج عن نشاطها التجاري والمالي كأي شركة ربحية أخرى.
تجمع ريادة الأعمال الاجتماعية بين العمل الربحي والعمل الخيري. وهذاما يجعلها تجربة فريدة من نوعها، ويضفي عليها الإبداع والابتكار. فالشركات الاجتماعية، تجمع بين أمرين يبدو من الصعب الجمع بينهما. الشركات الربحية المحضة، عادة لا تقوم بالعمل الخيري إلا كنشاط فرعي وليس من ضمن أهدافها. والمؤسسات الخيرية، عادة ما تكون بعيدة عن الأرباح المالية، ومبنية على التطوع وليس جنى المال من النشاط الخيري. وتأتي الريادة المجتمعية هنا لتجمع الاثنين مع بعض، وتصصم مشاريعَ رياديَّة، تعمل بآلية جديدة ومبتكرة، تجعل العوائد المالية تصب في خدمة الأهداف الخيرية. فتثري الدوافع الخيرية بالديمومة عبر الدعم المالي لها، وأيضاً تزيّن العمل الربحي بمعنى جديد، وتجعله هادفاً وسامياً يؤثر في المجتمع ويسهم في تنميته المستدامة.
جدير بالقول إن الإنترنت لعب دوراً بارزاً في تواصل الشركات والمؤسسات الاجتماعية مع بعضها. وتمكنت مشاريع ريادة الأعمال الاجتماعية أن تجتاز حاجز الجغرافيا، فحصل تقارب بينها بفضل الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي. واستطاع الرواد الإجتماعيون تبادل الخبرات وخلق تعاون بينهم في شتى بلدان العالم.
وفي النهاية لا بدَّ من الإشارة السريعة إلى بعض التحديات، التي تواجهها مشاريع ريادة الأعمال الاجتماعية. فكما أسلفنا هذه الفكرة حديثة الولادة وتحتاج إلى فترة زمنية أطول، حتى تزداد خبرة و تصبح أقوى من حيث التنظير والتطبيق. إذ تمر حالياً بنماذج مختلفة من حيث الشكل والمضمون. ويوجد في بعض الحالات اختلاف كبير بينها، من حيث الأهداف والممارسة لفكرة الريادة المجتمعية. بعض الشركات الاجتماعية أقرب إلى الشركات الربحية، والبعض الآخر يشبه المؤسسات الخيرية والتطوعية. و التحدي الآخر لها يكمن في تعاملها مع الجهات الحكومية. فتلقي الدعم الحكومي قد يشكل تحديا لاستقلالية هذه المشاريع. لكن من جهة أخرى بناء علاقة وطيدة مع السلطة، يساعدها على دعم أهدافها المجتمعية. ومن التحديات الكبرى للريادة المجتمعية، هو مدى قدرتها على التنافس مع الشركات الربحية المحضة. فالسوق لها أصولها، ولا يمكن تحقيق العوائد المالية، دون خلق ميزة تنافسية للمنتج أو الخدمة، التي تقدمها الشركة الاجتماعية، ولا يكفي الحديث عن أهداف إنسانية سامية دون تقديم جودة، أو الالتزام بقواعد العمل الاستثماري والمالي بشكل عام.