خرافة الحرب وفقاعة السلام

آراء 2023/03/29
...

 محمد شريف أبو ميسم


ساهمت الأرقام المعلنة بشأن زيادة الانفاق العسكري الأمريكي إلى أكثر من 800 مليار دولار في العام الحالي. وما يقابلها من زيادة غير مسبوقة بهذا الانفاق في موازنة الصين إلى نحو 225 مليار دولار، بالتزامن مع زيادة الانفاق العسكري الروسي، في دعم التصورات بشأن احتمالات وقوع حرب كونية على ضوء ما أفرزته الحرب في أوكرانيا، من أزمات اقتصادية وتوترات أمنية.

إلا أن هذه التصورات القائمة على ما أفرزته أزمة الطاقة من ركود تضخمي، وصولا إلى ما حدث مؤخرا من انهيارات مالية في عدد من البنوك الأمريكية، والتي أنذرت باحتمالات أزمة مالية عالمية، فضلا عن خشية أصحاب المشروع الصهيو أمريكي في الشرق الأوسط من التصعيد، الذي يمكن أن يطيح بالمشروع القائم على وجود شرق أوسط كبير تقوده رساميل العولمة، ويحقق لليمين الاسرائيلي حلم اسرائيل الكبرى، علاوة على ما أفرزته أزمة الطاقة بشأن تعزيز موقف ايران في المفاوضات النووية، وصولا إلى علو كعب الصين في منطقة الشرق الأوسط والعالم عموما. 

هذه المعطيات وما أعقبها من تقارب سعودي ايراني تحت مظلة صينية، تكرس التصورات التي ترجح فكرة أن الصين راغبة في تحييد السعودية، مستغلة موقف ولي العهد السعودي من شخص الرئيس الأمريكي «بايدن» ورغبة السعودية في الابتعاد عن أي صراع متوقع على ضوء ما يقال بشأن توجيه ضربة محتملة إلى ايران، مع اقترابها من تخصيب اليورانيوم بنسبة 80 بالمئة، وبالتالي قدرتها على صناعة القنبلة النووية، بالتزامن مع انشغال الولايات المتحدة بالملف الروسي، وضعف تكتيكها القائم على التهديد والوعيد في الشرق الأوسط.

كل ذلك يمكن أن يزيد التوتر، ولكنه هل سيكون دافعا للحرب؟. والجواب هنا (كلا قطعا) ليس لأن الصين أكبر مستثمر في سندات الخزانة الأمريكية، وأن الناتج القومي الصيني قائم على التجارة الخارجية التي يمكن أن تطيح بها الحرب، وحسب، بل لأن الولايات المتحدة ستفقد مكانتها العالمية اذا ما دخلت الحرب، وما سيترتب على هذه الحرب يمكن أن ينسف كل منجزات الطرفين المتحاربين إلى غير رجعة، حينها سنكون حيال عالم جديد مختلف عن عالم ما قبل الحرب، لا بل ستعيد الحرب بالعالم إلى ما قبل القرون الوسطى، وهذه الحقيقة يدركها الطرفان اللذان لن يسعيا للمواجهة بأي شكل من الأشكال. 

ومع ذلك فإن هذه الحقائق لن تجعل العالم بمنأى عن بؤر النزاع والتوترات، اذ غالبا ما تظهر بؤر جديدة للتوتر في سياق تطبيقات الستراتيجية الأمريكية المسمات «التوازن في ما وراء البحار» والقائمة على استعراض القوة عبر الأساطيل البحرية، التي تدعمها 11 حاملة طائرات بعيدا عن الأرض الأمريكية، وبالمقابل فان الصين التي تمتلك أكبر جيش في العالم تعمل على تعزيز قدراتها لحماية مصالحها وتكريس نفوذها الاقتصادي في العالم.