العبودية المقنعة

آراء 2023/03/30
...

 ميادة سفر


لم يحل الإعلان عن إلغاء الرق في العالم دون ظهور أشكال جديدة من العبودية بأقنعة متنوعة، ما زال يعاني منها الكثير من البشر وفي مختلف دول العالم ومن جميع الفئات والأعمار، حيث يعتبر الزواج القسري والعمل الإجباري في ظروف وشروط قاسية والاتجار بالبشر عبر شبكات دولية والاستغلال الجنسي، لا سيما أثناء الحروب والأزمات، من أبرز مظاهر العبودية الجديدة التي انتشرت حتى في الدول المتقدمة والتي تنادي بحقوق الإنسان والحريات.

وفقاً لتقديرات منظمة العمل الدولية إنّ شخصاً واحداً على الأقل من بين 150 شخصاً حول العالم يعيش في ظل العبودية المقنعة بشكلها المستحدث، والتي قدرت ضحاياها بحدود 50 مليون شخص معظمهم من النساء والأطفال، حيث ما زالت الكثيرات من الفتيات، لا سيما القاصرات يجبرن على الزواج رغماً عن إرادتهن، في ظل ظروف الحروب والأزمات الاقتصادية والفقر والتشرد التي تجد فيها بعض الأسر مبرراً للتخلي عن بناتهن وبيعهن تحت مسمى عقد الزواج مقابل مبالغ مالية كبيرة لتوفير لقمة عيشهم تارة أو خوفاً من الفضيحة، بسبب تعرض الفتيات للاعتداء الجنسي أثناء المعارك في البلاد التي تعيش حرباً، أو في مخيمات اللجوء والإيواء، في المقابل تضطر الكثير من النساء اللواتي فقدن المعيل للعمل بأجور متدنية وظروف صعبة ولساعات طويلة وتحمل ما يتعرضن له من تحرش جسدي أو لفظي من قبل أرباب العمل، ولا يقتصر الحال على النساء في مجال العمل بل يشمل الرجال والأطفال الذين يعملون في أجواء صعبة وشروط مجحفة.

يبدو أنّ تحولاً طرأ على طبقات المجتمع، حيث تحولت طبقة العبيد التي كانت منتشرة في الماضي بما حملته من عذابات الاستغلال، إلى طبقة العمال والموظفين في القطاعين العام والخاص، الذين يقدمون جهدهم وتعبهم وخبراتهم مقابل أجور لا تكفي لتأمين أدنى مستويات الحياة الكريمة والإنسانية التي يستحقها أي فرد في المجتمع، ويكفي أن تنظر إلى طوابير المنتظرين على الدور والمتدافعين للحصول على سلة معونات أو قطعة ملابس أو أغطية تقي من البرد، وحجم الإذلال الذي يتعرضون لهم للحصول على حقوقهم، لتدرك مدى استفحال العبودية بأشكالها الجديدة التي تتطلى خلف أقنعة مختلفة.

إنّ النظام السياسي والاقتصادي السائد في العالم اليوم يساعد ويشجع على تلك الأشكال من العبودية الجديدة المقنعة، حيث دول عظمى بحجة نشر الديمقراطية ومكافحة الإرهاب تستعبد شعوباً بأكملها وتسيطر على ثروات البلاد وتحرمها من الاستفادة منها، فضلاً عن التمييز العنصري الذي بدا واضحاً أثناء مباريات كأس العالم ضد اللاعبين الأفارقة على سبيل المثال، ولم تكن التنظيمات الإرهابية التي سيطرت خلال السنوات الماضية على أجزاء من سوريا والعراق إلا نموذجاً آخر من ممارسات العبودية المقنعة والمكشوفة، حيث بيعت النساء في أسواق النخاسة، وجند الأطفال والرجال للقيام بما يطلب منهم من أعمال أو عمليات انتحارية دون أن يكون لديهم الحق بالاعتراض أو الرفض.

لمكافحة الأشكال الجديدة للعبودية لا بدّ من سن القوانين التي تعاقب على تلك التصرفات، ولن يكون الأمر سهلاً إلا بتضافر جهود الدول جميعاً لمنع أي عمل أو تصرف من شأنه التقليل من قيمة الإنسان كإنسان أياً كان جنسه أو لونه أو عرقه، على الرغم من أنّ الآمال تبدو صعبة المنال في ظل تحكم الدول والحكومات والشركات الكبرى بمصائر البشر، لكن ذلك لا يمنع من الإشارة والحديث والمطالبة بالقضاء على الرق بجميع أشكاله القديم منه والحديث.