المحرم والمخالف بيننا وبينهم

آراء 2023/03/30
...





 سعاد الجزائري


تتغير المفاهيم والمعايير الاجتماعية والأخلاقية تبعا للنظم التي يضعها المجتمع أو القانون أو الدين والأعراف السائدة، وهذه القيم والمفاهيم تتباين بدرجة مهولة بين مجتمع وآخر أو دولة وأخرى، فما هو طبيعي جدا في أوروبا يُعتبر مشينا ومخجلا وفاحشا عندنا، وما هو ممنوع ومخالف للقانون ومشين في أوروبا يُعتبر طبيعيا وحقا لا نقاش حوله عندنا، مثلا تعدد الزوجات أو زواج القاصر وانواع الزيجات السرية والعلنية منها.

وهذا التباين يسلمه الناس، كأمانة ثمينة، من جيل إلى آخر، دون دراسة أو تفهم لصلاحيته في زمن التغييرات التي فاقت سرعتها الضوء، أو حتى إجراء بعض التغييرات التي يتطلبها تطور العصر بما يخدم الحياة البشرية في هذا التشكيل المجتمعي أو الاخر.

استغربت بشدة صديقتي اثناء زيارتي لها كانت كانت تغسل سيارتها ثم أرضية “كراجها” ومدخل بابها الخارجي بصنبور المياه الجارية طوال فترة أكثر من ساعة ونصف، فقلت لها: (لو فعلت ذلك في بريطانيا لتم التبليغ عنك قضائيا)، فازدادت دهشتها وعلقت ضاحكة: (ليش هم وصخين)، أجبتها:

- بل العكس، أنهم أنظف منا بكثير بما يخص الأماكن العامة تحديدا، فإضافة إلى الجهات المسؤولة عن تنظيف هذه الأماكن، فإن كل فرد فيهم يحافظ على نظافة الشوارع ومحل إقامته، وحتى كبار السن الذين يصعب عليهم الأنحناء فنراهم احيانا وأثناء تجوالهم يرفعون بعض النفايات ويضعونها في أقرب حاوية للاوساخ، ويتعرض للانتقاد والتوبيخ من قبل الاخرين الشخص الذي يرمي كيسا أو ورقة على الارض، وأحيانا يجبرونهم على رفعها ووضعها بالمكان المخصص لها.

حول هذا الامر والاسراف في بعض الاشياء، فإن الامر هنا لا يتعلق بالنظافة فقط، بل بموضوع أزمة المياه والتي تهدد العالم حاليا، لذلك أُعدت الكثير من البرامج الدعائية والتعليمية حول ترشيد المياه، ورغم أننا نعاني من هذه الأزمة بوقت مبكر، لكننا أبعد الناس عن ترشيد استخدام المياه، وينطبق نفس الشيء على الكهرباء، رغم أن هذه الازمة لازمتنا كالظل منذ عقود، لكني استغرب عدم وجود ثقافة الترشيد في أستخدام هذه الطاقة الضرورية والشحيحة، والتي يهدد انتقاصها الكثير من ضروراتنا

 الحياتية.

أثناء تجوالي في بغداد، رأيت واجهات بعض البيوت مطرزة بالأضوية، وفي إحدى المرات حسبت، من باب الفضول والقهر، عدد اللمبات فبلغ تعدادها خمسا وأربعين، إن لم أخطئ، لأني ضعيفة بالحساب، والحقيقة بدا البيت عكس نية ساكنيه، خاليا من الأناقة، بل بدا وكأنه سوبر ماركت، يعلن بالإنارة عن بضاعته ولكن بطريقة فاشلة، أو أشبه بمدينة ألعاب أو الأندية الليلية.. وربما قصد مالكه الإعلان عن غناه وثروته بطريقة كشفت أنه حديث نعمة لا يعرف الذوق..

لو كان عندنا نظام ترشيد لتم منع ذلك قانونيا، لأن الإسراف في تبذير الكهرباء من أجل بهرجة لا ذوق فيها، من جهة، وحرمان الكثير من هذه الطاقة لعدم التوازن في التقسيم، من جهة اخرى، ومن أجل الحفاظ على الطاقة الكهربائية الذي كثر استخدامها داخل البيت وخارجه تسهم في تلوث البيئة لما افرط بعضهم في تبذير كهرباء قلما يشرف بيوتنا.

تسألني صديقتي وماهو الطبيعي عندنا ومشين أو فاحش عندهم، أجبتها تعدد الزوجات، الزواج من القاصرات، التحرش القسري حتى بالزوجة يعتبر جريمة، في حين أن علاقاتهم الاجتماعية والحب قبل الزواج عندهم طبيعي وحق انساني لا نقاش حوله، وهو عندنا محرم، وقتل الفتيات غسلا للعار ترجمة لأسلوبنا في فهم هذه العلاقة..

أيهما أصح اذن؟ هذا مرتبط بسلوك وقوانين ووعي مجتمعي توارثته الأجيال في كلا النظامين، لكنهم أكثر قدرة منا على التغيير والتطور، بينما نحن ما زلنا نعض بأسنان ذئبية على ما مضى، كي لا يتركنا ماضينا نعيش الحاضر بشكل علني، وليس تحت ستار الكذب والمراوغة بين الاجيال على اختلافها مفاهيمها وقيم الحداثة التي تميز بها عصرنا...