القيم: موجهات السلوك الانساني

آراء 2023/04/01
...

د.عبد الواحد مشعل


يعد السلوك الانساني بمثابة خريطة الفعل الاجتماعي، التي يظهر فيها في مواقف الحياة المختلفة، وعلى مستويات وأنواع متباينة، مدفوعا بمنظومة قيم، لكلِّ منها نوعٌ يرسم ذلك الفعل في الميدان، وعليه يمكن تصنيف القيم الانسانية إلى عدة أنواع تتمثل بالقيم الاجتماعية، المادية، الدينيَّة، النظرية، الجمالية، ولكل نوع منها منطلقاتها وتأثيرها في السلوك الانساني كموجهات له يظهر للاخرين، وتعامل على أساسه معهم، لذا فالناس مختلفون في سلوكهم تبعا للدافع الذي يحركه، فالقيم الاجتماعية تدفع أصحابها إلى التعاون دون مقابل، ونجدهم ينجدون من يدعوهم دون تردد، كما أنه يتحرك من تلقاء نفسه اذا ما وجدوا أمامهم حالة انسانية تحتاج إلى مساعدة، ولا يجد الفرد مناصا الا وقد ويجد نفسه تقائيا في الميدان، اما السلوك الذي تحركة القيم المادية، فالفعل الاجتماعي يتجه إلى تلك الوجهة ويضع الربح والخسارة في ميزان سلوكه، كما أن مصالحة مع الآخرين تتركز على الجانب المادي اكثر جوانب السلوك الانساني الآخرى، وعلى سبيل المثال اذا تقدم أحد لخطبة ابنته أو في مسألة زواج ابنه، فإن الجانب المادي هو المعيار الرئيس، الذي ينطلق منه فعله الاجتماعي، اما السلوك المرتبط بالقيم الدينية فإن خريطة هذا السلوك تنحصر في القيم الروحية والعبادة ومساعدة الاخرين، بما تملي عليه هذه القيم من التزامات، اما القيم النظرية فإن سلوك أصحابها يتركز في غالبه الأعم على التحصيل المعرفي والعلمي، ولا يجدون وقتًا اضافيا يمكن أن يقضوه خارج هذه الدائرة، لذا هم متفوقون في دراساتهم ومشاريعهم البحثية، ففعلهم الاجتماعي يظهر في هذا الميدان اكثر من الميادين الأخرى، أما اصحاب القيم الجمالية فجل اهتمامهم يقع في الاعمال الفنية والجمالية والفنون التشككلية والتعامل مع الطبيعة وجمالها، وبهذا المعنى يمكن فهم السلوك الانساني على أساس توفر عوامل موضوعية مسؤوله عنه، ولا تقع المسؤولية كاملة على الفرد، انما هو محكوم بتلك الموجهات، ودائما ما تجد انتقادا موجا لفرد من الأفراد، اذا كان سلوكه مخالفا لسلوك الغير، فالكثيرون يعّتقدون أنه مسؤول كليا عن ذلك السلوك، والحقيقة أن ذلك السلوك مرتبط بنوع القيم التي توجهه، وهذا يقودنا إلى معرفة اسباب اختلاف الناس في سلوكهم وتعملاتهم اليومية، فالانسان كائن متعدد السلوك والافكار تبعا لأساليب التنشئة التي نشأ فيها، وتبعا للقيم التي تعلمها، فهو كائن يكتسب من حوله نمط السلوك الذي يظهر عليه، كما أن هذا الكائن له القدرة على تعديل بعض سلوكياته، لا سيما في مراحل عمره الاولى تبعا للتجارب التي يمر بها وللمؤثرات المختلفة، التي تحيط بمنظومته المعرفية، كما يتأثر سلوكه بعملية التثاقف التي يمر بها سواء عن طريق السفر أو الاحتكاك بثقافات اخرى أو تاثره بوسائل الاتصال الحديثة وغيرها، إلا أن السلوك في مجمله عند الانسان اينما يكون حول ناتج عن نوع القيم التي تحكمه، و عليه لا يمكن فهم سلوكه خارج هذه المؤثرات القيمية، التي توجه سلوكه وتفرزه عن غيره.