الدراما.. رسالة وتجارة

الصفحة الاخيرة 2023/04/01
...

جواد علي كسار

صدمني قبل عقد من السنين رقم تحدّث عن أرباح الدراما الكورية وأنها بلغت (14) مليار دولار سنوياً، لكن وقائع العالم من حولنا ولغة الأرقام أيضاً باتت الآن تخفّف من صدمة الأمس.

الهند مثلاً راحت تُنتج اليوم ألف فيلم سنوياً، وقد صار من الصعوبة بمكان أن يفلت أي متابع لشاشة السينما والتلفاز ووسائل التواصل من شبكة الدراما التركية، وإنتاجها يتلوّن بطيف منهمر من الأعمال العاطفية والاجتماعية والتأريخية والدينية، تكاد تلبي جميع الأذواق.

كمثال آخر من داخل المنطقة يُلحظ أن فضائية: «آي فيلم» الإيرانية، أفضل كثيراً للمشاهد العربي من قناتي: «العالم» و«برس تيفي»، وأن المسلسل التأريخي - الديني يوسف الصديق، حقّق من الصيت والدعاية لإيران، أكثر مما حقّقته الأموال التي أنفقتها تحت عنوان: «تصدير الثورة»!. ببساطة واختزال شديدين، أصبحت الدراما اليوم رسالة وتجارة. فعلى ذكر العوائد والأرباح اطلعتُ على تقرير يدرس ظاهرة الاقتصاد الخلاق، وأنه بات يمثل زهاء 37 % من دخل البلدان النامية، منها على سبيل المثال (18) مليار دولار هي قيمة أرباح تركيا من إنتاج المسلسلات وتصديرها عام 2019م.

بشأن الرسالة يمكن العودة خلال العقود المنصرمة إلى أوربا ولا سيّما فرنسا، في كثافة شكاواها مما أسمته صراحة، الحرب الثقافية والمطرقة الثقافية وحتى الغزو الثقافي الأمريكي لهذه القارة، كما كتب عن ذلك هنري غوبار وجاك تيبو وغيرهما كثير.

عندما نعكس هذه الخلفية السريعة على واقع الدراما العراقية، من زاويتَي الرسالة الثقافية والأرباح المادية نجد كفة الميزان منكفئة ضدّنا، إذ لم نكد نحقق شيئاً ذا بال حتى بالمقارنة مع تجارب عربية ناشئة في الجوار، كما هو الحال مع الدراما الخليجية والسورية وأحياناً حتى الأردنية.

الغريب وبدلاً من أن نبادر إلى ردم المسافة بالعمل والمشاريع الدرامية الجادّة، مازلنا نتقن وبجودة عالية، لغة التبكيت 

وتقريع الذات، وبخس قابلياتنا الفنية الذاتية والمحلية، ونتوسل مع أول مشكلة تواجهنا مع دراما الآخرين بأسلوب البكاء والنحيب وندب الحظ، وهي تقترن في الغالب مع صراخ وسُباب 

وشتائم للآخر، وكأن الآخرين يعملون صناعاً عندنا، ويأتمرون بأوامرنا.

أعتقد أن الطريق مفتوح غير مؤصد أمام الدراما العراقية، شرط أن نبدأ ونصبر ونثابر، وأن نتوسل بأدوات الصناعة الفنية ولوازمها، لنرى في أنفسنا القدرة على الجمع بين الرسالة الثقافية للدراما مع أرباحها المادية، ونحن ندخل ميدان المنافسة.