العراق والاتفاق الإيراني السعودي.. رؤية مستقبليَّة

آراء 2023/04/02
...

  ا. د. عماد مكلف البدران 

  في أحد الايام بعد سقوط النظام الأسبق عام 2023، التقيت شخصا كان فعالاً في المعارضة العراقية هناك في ايران، وعلى إطلاع واسع بما كان يجري من أحداث وملابسات دارت حول طبيعة عمل المعارضة واثرت في سلوكها وتصرفاتها بل بمبادئها، فقد اكد لي أنه وعلى الرغم من تبادل الحقد والضغائن بين ايران والنظام الاسبق، إلا أن شعار الموت لصدام توقف في ايران، وكذلك شعار الموت للخميني توقف في العراق ما ان تعززت اتفاقية السلام بين الجانبين واتضحت معالمها بعد عام 1988

 واكد لي أنها السياسة التي تطغى على كل الاعتبارات، وفي رأيه وعلى الرغم من كرهه للنظام، أن سلوك الجانبين كان صحيحاً، فلا عداوات تدوم إلى الأبد ولا صداقات تدوم كذلك إلى الأبد، إنما على الجميع أن يفهموا وبالذات الشعبين أن العواطف والتطرف في الانفعالات والثوريات والأحقاد يجب أن يكون لها حدود، ويكون لها مجال لتنسحب وتخبو ردحاً وربما زمناً طويلاً، إذ لم يعد هناك حاجة إلى تأجيجها، فقد اُستهلكت كثيراً في رفع الروح المعنوية ونجحت الدعايات بتضخيمها وتحشيد 

الجماهير.

 نعم تخبو وربما اذا ما حل السلم تنتهي كما حصل في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، فقد انتهت شعارات التطرف وحل السلام بين دول القارة، ومن هنا أقول إن هناك مصالح مشتركة هي أهم من التطرف الدامي مؤجج الثارات والحروب، الذي يؤسس إلى الاحقاد، فعلى الرغم من أننا لا ننكر ما لفعل التصارع القومي والطائفي من دور في تأجيج الاحقاد، إلا أن اتفاق الجميع على انه ليس هناك من منتصر وليس هناك من رابح هو ما ساد وسيسود، فالاتفاق الايراني- السعودي الأخير الذي رعته الصين، دليل على أن المصالح هي التي يجب أن تسود ويُستبعد في اللعب السياسي الطائفية والقومية والاستقواء بالأجنبي، الذي حتماً سيأتي يوما ويُغادر المنطقة كما غادرت بريطانيا الخليج منذ 1968 وحلت محلها الولايات المتحدة الامريكية، وكما غادر الشاه محمد رضا شرطي الخليج ايران عام 1979، ولذا فالمصالح الاقتصادية بالذات هي الحل الأمثل لتفادي الحروب بين دول المنطقة، فالكل يعلم أن للنفوذين الايراني والسعودي دوراً خطيراً وفاعلاً على الارض العراقية، فاختلافهما كان حربا على ارضنا واتفاقهما كان سلماً حذراً، فكلاهما فاقد لحسن الظن ومتربص بالآخر، وهذا ما كرسته وستكرسه قوى أجنبية مستفيدة من الصراع، وما يهمنا أن ينطلق الاتفاق السياسي بدعم من اتفاقيات اقتصادية تكون هي الاساس، فلا أعتقد ويعتقد معي آخرون، أن نعراتهم الطائفية ستنتهي وإنما يجب ان يتبعا خطوات اتبعتها دول جارة كانت متطاحنة ومتصارعة كما ذكرت وأعني دول أوروبا، فإن ايران والسعودية دولتان مسلمتان غنيتان، وبلدنا يصلح حلقة ربط اقتصادية ستعزز التقاءهما الثقافي والحضاري وستحد من الاحتقان، فمن المستحسن أن يلعب بلدنا دور الجسر الغني الرابط بين الدولتين، وتلعب الموانئ العراقية وعلى رأسها مشروع ميناء الفاو دوراً 

فاعلاً وكبيراً، ولنجد انفسنا والشعبين الجارين وقد التحقنا في ركب التطور والتقدم، من خلال شبكة من الطرق البرية وسكك الحديد واعمال تجارية وسياحية نشطة، تدعم الحركة الاقتصادية العالمية، حيث الربط مع أوروبا وآسيا باتجاه طريق الحرير فضلاً عن انتعاش المنطقة العربية عموماً فسيكون ربط باتجاه الدول العربية عبر الكويت و الاردن، وللواعين أقول إنه زمن الاقتصاد استثمروه 

وحان وقت العمل، ولنحاول أن نكف عن الاصطفافات الدولية، ونراعي مصالحنا، فإن الحركة الاقتصادية الواسعة ستستوعب البطالة وسيكون لبلدنا العراق الدور الريادي وسينتعش اقتصادنا الذي سيُسهم بتعزيز الاواصر ويقوي اللحمة الوطنية، فحينها سنقلق ونخاف على مصيرنا وما شيدناه وأسسنا له نحن وجيراننا، انه الاقتصاد يا سادة، ولنبتعد ونحن نبني هذه العلاقات ونعززها عن دسائس اللعبة السياسية والمخابراتية الاستخباراتية، وتحل الثقة بين البلدان لتطمأن أوروبا والدول المستفيدة من جسور التجارة في 

منطقتنا.