مجلس الخدمة الاتحادي ودولة المؤسسات

آراء 2023/04/03
...

 علي حسين عبيد


بدءًا لا بد من القول إننا كعراقيين لم نصل بعد إلى بناء دولة المؤسسات، كما هي الحال في الدول الراسخة المتقدمة، ومع أن العراقيين يسعون بجدية لبلوغ هذا الهدف الصعب، إلا أن هذه المساعي غالبا ما توضع أمامها معوقات كبيرة وبعضها لا يمكن إزاحته، ما يجعل من تحقيق دولة المؤسسات أمرا ميؤوسا منه.


ولكن هنالك دأبا واضحا وإصرارا جيدا، ومحاولات متواصلة من قبل العراقيين لتعضيد هذا النوع من البناء المؤسساتي، ولعلّي لا أُخطئ إذا قلت إن المؤسسة النموذجية في العراق يمكن أن نراها في (مجلس الخدمة الاتحادي)، هذه المؤسسة العريقة التي تحتفظ بتاريخ جيد، واستطاعت أن تستعيد نشاطها بما يثبت بأنها مؤسسة مستقلة ونموذجية.

قد يتساءل أحدهم كيف بنيت هذا الاستنتاج؟، وعلى ماذا استندت حتى أصرّح في هذا المقال عن (نموذجية) مؤسسة (مجلس الخدمة الاتحادي)؟، وهو سؤال مشروع ولا غضاضة فيه، لأن هذا المجلس أو هذا النموذج كان مغيّبا حتى وقت قريب، ولم يكن له أي دور في قضية التعيينات وتوزيع الوظائف حسب الاختصاصات والمؤهلات العلمية والأفضليات الأخرى.

نعم حتى وقت غريب كانت جميع التعيينات تجري بطريقة عشوائية، وقد تكون الأوضاع الصعبة التي يعاني من العراق في مجالات الاقتصاد والسياسة والإدارة والتعليم والصحة وغيرها، قد تعود مشكلاتها المختلفة إلى التعيينات العشوائية القائمة على الواسطة والمحسوبية وتدخل الأحزاب السياسية، فضلا عن الجانب الأسوأ وهو بيع الوظائف مقابل مبالغ مالية في كثير من الأحيان، ما يضع الموظفين في أماكن لا تتناسب مع مؤهلاتهم أو اختصاصاتهم وقدراتهم، فيصبح الموظف عالة على الوزارة أو الدائرة التي يعمل فيها.

ولهذا السبب نلاحظ بوضوح عشوائية في إدارة الدولة، وغيابا لأدوار المؤسسات، وفوضى في مجالات إدارية كثيرة، والحقيقة كما نعتقد تعود إلى التغييب المقصود لدور (مجلس الخدمة الاتحادي) في قضية تنظيم الوظائف، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ولكن كما لاحظنا مؤخرا، عادت الروح إلى هذه المؤسسة العريقة، واستعادت دورها التنظيمي العادل بجدارة، ليس العدل وحدها، وإنما التعيين بطريقة التكافؤ بين 

الجميع.

نعم نحن لا نرى فائدة كبيرة في مواصلة التعيينات في مرافق الدولة المختلفة، ولسنا مع البطالة المقنّعة التي تعج بها دوائر ومؤسسات الدولة، التي باتت تنتمي إلى الدول الريعية بامتياز، فمواصلة إثقال كاهل الدولة بالوظائف ليس صحيحا، لكن الخطأ في إبقاء المئات بل الآلاف من الخريجين وحمَلَة الشهادات العليا بلا وظائف. 

لقد قام مجلس الخدمة الاتحادي بتعيين آلافٍ من هؤلاء الخريجين، الذين يستحقون هذه الوظائف، وقد قامت هذه المؤسسة العريقة بدورها هذا بأفضل ما يمكن، واستندت إلى معايير العدالة والتكافؤ، مع أن حصول بعض الهنّات والثغرات هنا أو هناك أمرٌ وارد حتى في أكثر الدول تقدما، لكن الأمر الذي يجب أن يُقال علنا وبصوت عال، إن ما قام به مجلس الخدمة الاتحادي يقرّبنا من بلوغ دولة المؤسسات، إذا ما استفادت المؤسسات الأخرى من هذه التجربة، التي أدارها مجلس الخدمة  بنجاح.