سعد العبيدي
الناتج الإجمالي للعملية التربوية والتعليم هو معيار الحكم على مديات الفشل، والنجاح في هذا القطاع الحيوي الذي بدأته الدولة منذ تأسيسها، وطورته بالتدريج، حتى أوصلته في سبعينات القرن الماضي إلى مستوى من الإنتاج يحسب جيداً في كل المقاييس، فعموم الخريجين العراقيين من قبل ذاك التاريخ كانوا قد استوعبوا المادة واستعدوا لتطبيق ما تعلموه في حياتهم العملية وأبدع منهم الكثير، وسمعة المنتج كانت جيدة على المستوى العالمي، فخريج العراق يضاهي ويتفوق أحيانا على الزملاء من بلدان أخرى، عندما يجلسون معاً على مدرجات الجامعات العالمية، لم يطالب بمعادلة شهادته، ولا إثبات جدارته، وجامعات العراق آنذاك كانت هدفاً لعموم العرب في أن يدرسوا فيها ويتخرجوا منها، ومستشفياته كانت كذلك لمن يطلب العلاج، هذا بالإضافة الى القيمة المعنوية للشهادة والخريج.
لقد تغير نوع المنتج وكمه وتدنى المستوى، وكثرت وسائل الإنتاج من مدارس وكليات وجامعات، وسيطر التعليم الخاص على توجهات الدولة وتعليمها العام، وهذا واقع يمثل فشلاً للعملية التربوية، تعود أسبابه إلى غياب الفلسفة التربوية للدولة والى اجراءات خطأ قامت بها الإدارة السياسية للدولة، واستمرت على نهجها على الرغم من ثبوت الفشل، إذ أجازت تأسيس مدارس وجامعات تجاوزاً على الضوابط، وأهملت الرقابة، وتغاضت على أولويات الأهداف، التي وضعتها المؤسسات الأهلية ربحاً فاحشاً قبل الجودة، وقصرت في توظيف رأس المال الكافي في العملية
التربوية.
إذ تركت البنايات المدرسية، تتهاوى دون إدامة، وأبقت مدارس الطين تتصدع، وحشرت في الصفوف أضعاف العدد المطلوب، وأبدلت المناهج حسب الأهواء السياسية وقبلت بزيف التاريخ، واختارت إدارات للمدارس والجامعات من بين الموالين غير الأكفاء... فشل واستمرار على الفشل جاء في مرحلة زمنية حرجة بات اتكال العيش فيها والاستمرار بقدر من الرضا قائمًا على التطور العلمي والتقني، وُضعَ بسببه العراق في الخانة الأخيرة، وسيبقى هكذا إذا لم تتنبه الحكومات وتغير فلسفتها في التربية والتعليم، وتوظف في مجاله الكثير من الجهد والاستقلال ورأس المال.