أكثريَّة معترضة.. لا أكثريَّة صامتة

آراء 2023/04/06
...






 عبد الحليم الرهيمي


ثمة مصطلحات يطلقها سياسيون وإعلاميون لوصف موقف المواطنين العراقيين، الذين قاطعوا الانتخابات التشريعية الاخيرة للدورة الخامسة لعام 221 وحتى الدورة التي قبلها لعام 2018، وذلك بعدم إدلائهم باصواتهم لاي كتلة أو مرشح، هو توصيف خاطئ وإن لم نقل مضللا، ولا يعبر على حقيقة موقف المقاطعين. ففي الدورة الاخيرة (2021) أعلنت مفوضية الانتخابات أن نسبة الذين ادلوا بأصواتهم فيها بلغت 41 بالمئة، في حين اكدت معظم الاستطلاعات المحلية وبعض الاجنبية بأن النسبة الحقيقية للمصوتين هي ما بين 18 و 20 بالمئة ممن يحق لهم التصويت، في حين ذهب بعض مسؤولي الكتل المعروفين إلى القول بأن نسبة المصوتين بلغت نحو 10 بالمئة. وكانت نسبة المصوتين في انتخابات الدورة الرابعة التي سبقتها بلغت نحو 44.58 بالمئة حسب إعلان مفوضية الانتخابات والتي شكك بصحتها الكثير من الاستطلاعات المحلية المعترف بها. وهكذا يمكن القول إن نسبة المقاطعين في الانتخابات الاخيرة بلغت ما بين 80 و 82 بالمئة واكثر، في حين بلغت هذه النسبة في الانتخابات التي سبقتها 55 بالمئة حسب المفوضية وما بين 75 و 80 بالمئة حسب الاستطلاعات المستقلة. وبالطبع فإن تلك النسب المرتفعة للمقاطعين والتي يصفها البعض بـ (الفضيحة)، تعني أن نحو اكثر من ثلثي من يحق لهم التصويت، لم يدلوا بأصواتهم عن سابق تصور وقناعة وتصميم ولهم بالتأكيد أسبابهم ومبرراتم، التي دعتهم لاتخاذ هذا الموقف. وحتى نميّز موقفهم المتميزّ هذا عن معارضة العديد من التيارات والاحزاب السياسية لبعضها والبعض الاخر وخاصة للاحزاب والجماعات التقليدية، سنطلق على معارضة مقاطعي الانتخابات بالاكثرية (المعترضة)، وهو ليس فقط اعتراضا على الانتخابات وآليات عملها، وما يتخللها من فساد وتزوير وتدوير اكثرية الوجود الفاشلة والفاسدة، فضلاً عن العجز في الاداء الصحيح للبرلمان وأعضائه في الرقابة والتشريع للقوانين، فإن تلك المقاطعة للناخبين، والمعبرة عن آراء ومواقف غالبية العراقيين تعني، وحسب معظم الخبراء والمتابعين للأوضاع في العراق انعدام ثقة المقاطعين، بل واكثرية المواطنين بالسلطة وبالعملية السياسية، وهو الأمر الذي أكده أيضاً وبوضوح رئيس مجلس الوزراء السيد السوداني، بتصريح أدلى به بالقول إن: حكومته تسعى لاعادة ثقة المواطنين العراقيين بالعملية السياسية، والذي يعني ضمناً فقدان هذه الثقة بين المواطنين والدولة وبالسلطة التنفيذية. وبطبيعة الحال فإن فقدان الثقة بين المواطنين والدولة وسلطتها في اي مجتمع يطول بشكل كبير شرعيتها، التي تشكل الشرط اللازم والضروري لسلامة النظام السياسي، ومشروعية حكمه وأدائه، اي بما يعنيه ذلك من خرق أو تعطيل للعقد السياسي المفترض وجوده بين الحكم والنظام السياسي والمواطنين، وبما يترتب على كل ذلك من استنتاجات وتداعيات سياسية وامنية. 

ومما يزيد الأمر تعقيداً اكبر، هو أن اعتراض الاكثرية المعترضة، التي قاطعت الانتخابات لم ينحصر موقفها هذا بالنظام السياسي والسلطة، انما يشمل هذا الاعتراض ايضاً الكثير من اعضاء البرلمان، الذين اطلق عليهم (المستقلين) أو ( التشرينيين)، الذين لم يثبتوا بأدائهم وسلوكهم في البرلمان خلال أشهر الفترة الماضية أنهم يشكلون بديلاً حقيقياً لأعضاء البرلمان الذين يعارضونهم. وللمواطنين الذين قاطعوا الانتخابات، وغالبية المواطنين، الذين لا يحق لهم التصويت الكثير من الاسباب والمبررات، لعدم قناعتهم بالبرلمانيين (المستقلين)، الذين يتحدث المواطنون عن تغيير سلوكهم وأدائهم في البرلمان، فضلاً عن تغيير هواتفهم وعناوينهم، وعدم الرد حتى على من أنتخبهم، إضافة إلى اعتبار سلوك بعضهم بأنه سلوك (منافق)، مثل قدوم بعض اعضاء البرلمان الفائزين حديثاً إلى الجلسة الاولى بعجلات (التك تك)، كإيحاء بأنهم من المتظاهرين التشرينيين، لكنهم سرعان ما تخلوا عن ذلك وبدؤوا بمغادرة الجلسة الاولى للمجلس والجلسات التالية بـ (الجكسارات) والعجلات الاخرى الفارهة، بما يعني ذلك من دلالات ورؤية للمواطن تجاه اعضاء البرلمان.

هذا الموقف للاكثرية المعترضة لمقاطعي الانتخابات وبما يعكسون إلى حد كبير، مواقف ورؤى اكثرية المواطنين العراقيين، الذين تسللت للكثيرين منهم حالة اليأس والإحباط من امكانية اصلاح العملية السياسية والأوضاع بطرح سؤال كبير ومهم يجب التأمل فيه بعمق ووعي وهو: من سيتمكن كسب ثقة وتأييد هذه الاكثرية المجتمعية المعترضة بدل الجهود في البحث عن تشكيلات وتحالفات وكتل جديدة من ذات بيئة المجموعات والتيارات والاحزاب الصغيرة المعارضة للكتل والأحزاب التقليدية، التي يطلق عليها (الكبيرة)، وهي جهود لن تجدي نفعاً كما اكدت تجارب سابقة كثيرة ؟.. هذا ما سنتناوله في المقال التالي.