فتنة السلطة

آراء 2023/04/09
...

 حسب الله يحيى 

للسلطة وجهان، مثلما للفتنة وجهان، السلطة، بمعنى الهيمنة وبسط النفوذ على الآخرين، والاستئثار بالمال والوجاهة والقيادة والاثرة والامتياز على الناس.

والفتنة، بمعنى الجمال، والفتنة، بمعنى زرع الخصومة بين البشر. هنا، تعنينا السلطة بما هي عليه من الهيمنة والقوة والنفوذ ـ سلبا وايجابا ـ إلى جانب الوجاهة والامتياز والاستئثار.


وهنا، تكمن فتنة السلطة وسحرها وألقها واستحواذها على مقدرات الآخرين: رأيا ونفوذا وفعلا ومالًا، ومن كان في أسفل أو أدنى مقام في هذه السلطة، ومن وصل ـ بأية طريقة كانت ـ إلى قمة السلطة؛ كان يتصرف على أنه ولي الأمر على البلاد والعباد، وهو في الوقت نفسه، يعمد وهو يتولى السلطة معدا نفسه الاكثر علما ومعرفة ومقبولية لتولي هذا المقام الرفيع، إلى الاستهانة بالاخرين!

وعلى وفق هذه القناعة الشخصية يعتقد أن فتنة السلطة، استحقاق طبيعي، ولا يمكن أن يقاس على الخبرة والحكمة والكفاءة والشهادة والتجربة والنزاهة والتخصص ؛ وانما يتم القياس على قدر المقبولية السياسية من هذه الجهة أو تلك، ولأن هذا المقياس، مقياس لا يقوم على حجة ولا برهان ولا دليل ولا معرفة كلية بالشخصية التي يراد لها ان تتولى السلطة ـ الا في حالات استثنائية نادرة ـ نجد أن هناك من يصدق أنه أفضل من الجميع، لذلك لا يعير اهتماما ولا احتراما لأحد، ولا يعنيه من أمر الآخرين سوى كيفية الحفاظ على (كاريزما) حضوره أمام زملائه، الذين يعدهم أدنى منه بمسافات طويلة؛ مع أنهم اكثر خبرة ومعرفة وتخصصا في هذا الميدان أو ذاك.

وبدلا من الاستفادة من خبراتهم وتخصصاتهم يلجأ إلى محاربتهم، بل وحتى تصفية وجود من هم بمعيته، فيعمد إلى تغييبهم أو نقلهم أو إهمالهم وفي أحسن الأحوال تهميشهم، متوجها لدعم مجموعة من المنافقين والانتهازيين، الذين يرضون أن يعملوا عبيدا عندهم، بعيدا عن مهامهم الأساسية.

من هنا، يتضخم عدد من المسؤولين، ومنهم من يتوسم الطاعة العمياء لدى الجميع، وكيد المديح والحمد لسيدهم، والعمل على تبييض صورة المسؤول لدى المتلقي على مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك من يدعم ويعزز صورة هذا المسؤول، الذي ينشر صوره وصور من هم في المقام الرفيع في المجتمع، لكي يصور فيها نفسه وهو يلتقي هذه القامات الثقافية والابداعية والسياسية والاجتماعية المرموقة بوصفها موازية له، ولكي يحظى بالمقبولية لدى الآخرين، في وقت نعرف فيه أن المقام محفوظ لتلك القامات المضيئة، بينما تتدنى كثيرا امام من يتوسم في نفسه مقاما (رفيعا) يضع فيه نفسه من دون استحقاق ومن دون مقبولية، لا تجد لها صدى ولا تلقى سوى الإهمال بوصفها شخصية مهزوزة وفقيرة، بل معدومة الخبرة والثقة بالنفس، لذلك تتكأ على أصحاب السمعة والمقام الطيب.

نعم، السلطة فاتنة، جميلة ومتألقة، والجمال والتألق لا يكمن في القوة الجوفاء، وانما في كيفية كسب ود واحترام الاخرين، والتعامل معهم على أنهم بشر وليسوا اقل منه مقاما بأي مقياس كان.

كما أن فن الإدارة يقتضي أن يرقى المسؤول بمن هم في معيته، لا أن يتعالى عليهم ويهمين على وجودهم ويعدهم خدما له ويملي عليهم قراراته المزاجية، قرارات امبراطورية قاهرة وشديدة الوطأة على الحق والعدل.

الاخرون، ليسوا هوامش أبدا، وليسوا بيادق يحركهم المسؤول على هواه، وإنما هم أناس لهم حقوق وعليهم واجبات.

 وكل المسؤولين الذين فتنتهم السلطة مدعوون لدعم الشغيلة التي تعمل معهم، ومن دون هذا الدعم وهذه الرعاية، فإن فتنة السلطة لن تجدي، ولن تقوم لها قائمة، اذا ما كانت هذه السلطة غاشمة وجاهلة، وان كانت مسلحة بالحديد والنار، فالإنسان بجلال قدره وقدرته ونصاعة قيمه، أغنى وأبهى وأعمق وأدل وأشمل من كثيرين يتباوؤن السلطة ويتمتعون بفتنتها.

الفتنة جميلة، إلا أن ما هو مفتون، يمكن أن يتحول وبسرعة إلى فتنة لا تبقي لتلك السلطة مقاما ولا نفوذا ولا وجاهة، ذلك أن الوردة فاتنة، لكنها يمكن ان تتحول إلى سلاح مؤذ لمن يعمد إلى قطفها قسرا، أو يسيء إلى وجودها أو يحرمها من حقها في الحياة.