ماذا لو انتصر بوتين وأعاد تأسيس القطبيَّة ؟

آراء 2023/04/09
...

 ا.د. عماد مكلف البدران


في ثلاثينيات القرن العشرين ومع احتدام معارك الأيديولوجيات الليبرالية الرأسمالية الغربية والشيوعية السوفيتية، ظهر ما يشبه العادات والتقاليد السياسية التي اعتنقتها فئات عمرية مختلفة، ولعل من ابرزهم الشباب. 


إذ تغنوا بها وهاموا عشقاً، ألا وهي الاشتراكية التي وجدوا فيها الدواء الشافي لأوجاعهم الاجتماعية من فقر وتخلف وضياع، فقد عشقوها لدرجة أنهم جعلوا من قادتها وطروحاتها ديناً دانوا به وعقيدة تجمعوا حولها والتفوا، ليصنعوا لهم هوية تباهوا بها امام الاخرين من رعاة الديمقراطية ومريديها، وقد ابتلعت الشارع وسي طرت عليه ردحاً من الزمن ولم ينفع انذاك التصدي لانفعالاتهم الثورية وموج تدفق أفكارهم، لا سيما بعد أن هيمنت الافكار الشيوعية المتطرفة على الشارع، وبعد أن تمكن المتطرفون العالميون امثال هتلر وموسوليني من اعتناق الاشتراكية لتصبح الشكل الداعم للقومية المتطرفة، اذ وجدوا فيها نظاماً اقتصادياً اجتماعياً يعزز من نظرياتهم القومية، فإن معظم هذه النظريات التي منها الشيوعية ألحت بضرورة هيمنة الدولة المركزية على وسائل الانتاج، وان تملكها وتوجهها وتقودها وتُسيطر على الثروة العامة، لتعيد رسم الخريطة الاجتماعية على وفق اشتراكيتها، التي برأيهم تلغي الفوارق وتعزز قوى الانتاج وتدعمها في ظل حماية الدولة، ومثل هذه الافكار كان لها رواج بين الشباب العربي، ومن ضمنهم العراقي. 

وصلت كما قلت إلى حد الهيام وكان من مصاديق تطبيقها هو سيطرة المجتمع متمثل بالشعب على وسائل الانتاج، ليكون هو من يديرها بقيادة الحزب الواحد كما في الاتحاد السوفيتي الحزب الشيوعي وفي المانيا الحزب النازي (حزب العمال الوطني الاشتراكي الالماني) والحزب الفاشي في ايطاليا، الذي جعل من الاشتراكية وسيلةً وهدفاً يسعى إلى تحقيقه من اجل تكريس هيمنة الدولة، وبسبب شيوع هذه الافكار اعتنقها الشباب العراقي وأخذ يواكب آخر تقليعات قصات الشعر ولحية لينين والشوارب الهتلرية، فضلاً عن ارتداء اللون الاحمر وهكذا دواليك إلى ان تشربت المؤسسات العسكرية بفكر الاشتراكية، ووجد الضباط الذين حمل اغلبهم الرتب الدنيا في السلم العسكري، وكان معظمهم من ابناء الفقراء والطبقة الفلاحية والعاملة، انفسهم يؤمنون بالانقلابات الذين سوغوها وصبغوها بمصطلح (الثورة)، وفي غشاوة وعتمة كالسكارى قادوا الانقلابات في البلاد العربية وبدموية وفظاعة في ردة فعل وانفجار واضح من اعتناقات متطرفة ليسقطوا الملكية في مصر عام 1952.

وفي العراق 1958 وهكذا نجحوا بفكرهم القومي الاشتراكي وأنموذجهم الجديد في تغيير اشكال الحكم في سوريا والسودان واليمن وليبيا والجزائر وغيرها، وأصبحت أغلب الاحزاب التي أسسها الجيش والداعمة لهيمنته، تحمل في عنواناتها كلمة الاشتراكية وهي تُدغدع مشاعر الشعوب وتستهويهم وتشدهم، ليقعوا تحت طائلة الحكومات الدكتاتورية الشمولية، التي رفعت شعار التأميم، بالضبط كما فعل الروس البلاشفة في ثورة اكتوبر 1917 وبالفعل انطلقت عمليات التأميم برعاية العسكر واستحوذوا على املاك الناس وشددوا قبضة الدولة على المال العام، تحت لافتة القطاع العام، والآن ومع احتمالية نجاح بوتين بإرجاع القطبية الثنائية واحتمالية تأسيس الجبهة المناوئة للأمريكيين ونظريتهم الديمقراطية، وربما العودة لمفهوم الاشتراكية والدولة الشمولية المركزية، التي سيرعاها قائدنا المبجل بوتين الا يخشى من بيده سياسة بلدنا ويقلق من أن يهيم الشباب بمفهوم التأميم ويطالب باسترجاع اراضي الدولة، التي نُهبت تحت مفهوم الخصخصة، ويخشون من حركة ثورية تُطالبهم بالكف عن التمادي في رفع الاسعار في المستشفيات الاهلية والمدارس والكليات الاهلية إلى حد الفحش، فقد يعود لهم مفهوم التأميم بقالب جديد، فقد انتشر الفقر مع استشراء الفساد، ولكي يقنعوا الأجيال، لا بد أن يقدموا نظام خصخصة بأسعار معقولة وبسياسة اقتصادية واضحة، تحترم اموال الدولة وأراضيها وتحميه من النهب وتراعي الفوارق بعدالة بين الطبقات.