حكاية (البيظ)!

الصفحة الاخيرة 2023/04/13
...

حسن العاني

في السنوات الأخيرة تحديداً، حيث لم يبقَ مجالٌ أمامنا – أعني نحن الأصدقاء الأربعة – إلا رفع الراية البيضاء والاعتراف بتقدم العمر، ومثل هذا الاعتراف مبني على تفهّم لقوانين السن، وعلى حقيقة ملموسة، أبسط أعراضها أن الواحد منا لا يستطيع النهوض من مكانه إلا إذا امتدت إليه يد العون!.

هكذا، ومن منطق الحكمة التي يتحلى بها (الشيوخ) اتفقنا على أن تكون لنا في كل أسبوع جلسة مسائية في منزل أحدنا، وحتى لا نكون ضيوفاً ثقلاء على بعضنا البعض قررنا أن اللقاء الذي لا يستمر في العادة أكثر من ساعتين، يقتصر على فنجان قهوة ثم عبوة مشروبات غازية صغيرة (أم الربع دينار)، وقد تخلينا عن هذه العبوة بعد ارتفاع سعرها إلى نصف دينار..

لم تكن حواراتنا تدور في إطار محدد على غرار ما يجري في الاجتماعات الحزبية القديمة والمعاصرة، وإذا كان من الصحيح أننا نتباين في طروحاتنا، وقد يصل التباين إلى حد التقاطع، ولكن لا أحد ينفعل أو يزعل على الاطلاق، إلا أن المهم الذي يستحق الاشادة في جلساتنا، هو أنها في كل مرة تقدم لنا فائدة ما، أو معلومة نجهلها بسبب التنوع في ثقافاتنا وتخصصاتنا وتجاربنا الحياتية. في جلسة قريبة لم يمض عيلها زمن بعيد، جرى – مصادفة حوار ظريف في قضية (لغوية – إملائية) حول كيفية كتابة (البيضة)، وقد أفادنا أحد الحضور بأن هذه المفردة يمكن كتابتها بحرف (الظاء – بيظة) إذا كان المراد بها (بيظ النمل)، وقادنا الحديث إلى (بيضة القبان) وإلى العديد من المعاني لمفردة البيض..

في ذلك الجو الأدبي العابق بالكثير من المعلومات، وجدت أمامي فرصة سانحة كي أروي لهم ما جرى معي فعلاً عام 1979، حيث تعرضت إلى عقوبة وظيفية مجحفة أدت إلى نقلي معلماً – هذا هو عنواني الوظيفي – إلى ناحية (حرير) التابعة لمحافظة أربيل، وذات يوم حدثني مدير المدرسة السيد كمال محمد حارس – الذي أصبح من أقرب أصدقائي الكرد في زمن قصير – أنه اشترى كمية من (بيض القرية)، ولأنني أعشق بيض القرية الذي كنت أسميه مثلما تسميه الناس في بغداد (بيض العرب) – وهي تسمية أجنبية لئيمة يراد منها وصف العرب بأنهم سكان قرى لا علاقة لهم بالمدن والمدينة والحضارة – ولهذا قلت له [الله يخليك كاكه كمال أريد بيض عرب.. أي كمية ومهما كان السعر] ضحك الرجل قبل أن يقول لي [كاكه حسن. اشو الدجاجة كردية. والبيض كردي.. شلون صار بيض عرب؟!]، ضحكنا وفي داخلي جرح ينزف، فالبيض قضية قومية عند صديقي كمال، ونحن العرب تمر علينا أهم القضايا القومية ولا نلتفت إليها أو نضحك 

حزناً!.