د. باسم الابراهيمي
في ربيع عام 1954 وفي نهاية شهر آذار تحديداً عاش البغداديون في قلق كبير من مخاوف الفيضانات التي هددت العاصمة في حينها، وها نحن بعد اكثر من ستة عقود نستذكر الحادثة ونعيش في القلق نفسه نتيجة المخاوف الناجمة عن الامطار والسيول القادمة من دول الجوار.
الا أن المفارقة التي تختلف عما حصل في خمسينيات القرن الماضي اننا بتنا نعيش في قلق الفيضان مرة والجفاف مرة أخرى في وقت تطور فيه العلم وازدادت فيه الواردات بما يعطينا القدرة على تجاوز القلق والاستفادة من الامطار بما يؤمن أمننا الغذائي ويزيد من انتاجنا الزراعي ويقلل الاعتماد على المستورد ويساعدنا في مواجهة السنوات العجاف الا أن ذلك لم يحصل للأسف.
لقد اوضحنا في عمود سابق ان التكاليف التي تنجم عن الازمات والكوارث وسوء الادارة لبعض المشاريع قد تفوق تكاليف اقامة تلك المشاريع او التصدي للأزمة مسبقا وبالتالي فاننا نخسر مرتين، مرة بعدم انجاز المشاريع في وقتها المناسب ومرة اخرى بتحمل تكاليف عدم اقامة المشاريع وما ينجم عنها من تبعات سلبية وهو ما أشرنا له ضمن ما يعرف في الاقتصاد بتكلفة الفرصة البديلة.
واذا ما احتسبنا حجم الخسائر المحتملة في الأراضي الزراعية نتيجة الفيضان بما في ذلك الانتاج الزراعي والمواشي وكذلك الخسائر المحتملة في البنية التحتية من جسور وطرق فضلا عن الخطر المحتمل لانتقال الامراض وخطر غرق البيوت والاشخاص، سنجد أن الخسائر ستكون أكبر من تكاليف التصدي المسبق لهذه الأزمة.
حقيقة الاستنفار الحكومي في المركز والمحافظات بافضل حالاته، الا أن المشكلة تكمن في الحلول الآنية، بالنتيجة تبقى محصورة بحيثيات الحالة الطارئة على المدى القصير فقط وبالتالي هي بعيدة عن التدابير الستراتيجية وهو ما نحتاج اليه من اجل استدامة الموارد المائية وامننا الغذائي.
وهنا أقترح ان يتم أعداد خطة ستراتيجية بعيدة الامد باهداف محددة ومقتضبة يترك أمر تفصيلها للخطط الستراتيجية الخمسية وتنفذ عبر الموازنات العامة السنوية، على أن تكلف هيئة المستشارين في رئاسة الوزراء بانجاز الخطة المذكورة بالتعاون مع عدد من الاساتذة والمختصين لتكون خارطة طريق لمستقبل العراق في المجال الاقتصادي، والا فان القادم سيكون اسوأ من الفيضان.